الجريمة المستحيلة
بقلم المستشار / محمد الصعيدي
سفير التنمية القانونية بالليدك ـ رئيس نادي قضاة التحكيم الدولي
الجريمة المستحيلة / هي الجريمة التي يُمتنع تحققها مهما
بذل الجاني من جهد في سبيل ذلك. كما لو اطلق احدهم النار على خصمه النائم على
السرير فتبين انه فارق الحياة قبل اطلاق النار عليه او من كسر خزانة النقود فوجدها
خالية.
قد برزت فكرة الجريمة المستحيلة لاول مرة
في فرنسا عندما اراد شخص يدعى laurant ان يقتل اباه فاعد لذلك
بندقية جاهزة ومحشوة بالرصاص واسندها على الجدار في الوقت الذي كان فيه ابوه خارج
المنزل ،وعند عودة الاب الى المنزل رأى البندقية فراوده الشك حول نية ابنه تناول البندقية وافرغها من العتاد واعادها الى
مكانها . احس الابن بعودة الاب اخذ البندقية وصوبها نحوه وضغط على الزناد لكن
الرصاص لم ينطلق . راجع الاب لاقامة الدعوى لدى محكمة agent فقضت
له وادانت ابنه بالشروع في القتل ، وعندها طرحت المسألة للبحث.
اعتبر الفقيه الالماني فويرباخ عام
1808الجريمة المستحيلة هي التي يستحيل تنفيذها وأرجع سبب استحالة التنفيذ اما الى
انعدام المحل كمن اطلق النار على شخص ميت. او الى عدم فاعلية الوسيلة المستخدمة في
تنفيذ الجريمة كما لواستخدم الفاعل مسدسا خاليا من الرصاص.
على ان صعوبة وغموضا يعتريان الجريمة
المستحيلة، حيث يختلف الفعل الذي يقوم به الجاني بأختلاف زاوية النظر اليه. فاذا
نظرنا اليه من ناحية استحالة نتيجته دون الاخذ بنظر الاعتبار نفس الفعل الذي وقع
فلا يعتبر جريمة وبالتالي لا يمكن اعتباره من صور الشروع التام المعاقب عليه،
والسبب هو ان تحقق النتيجة في الشروع التام ممكن في ظل ظروف النشاط الاجرامي
للفاعل وهو بذلك يختلف اختلافا كليا عن تحقق النتيجة في الجريمة المستحيلة حيث ان
تحققها غير ممكن اصلا في ظل ظروف النشاط الذي قام به الجاني او في ظروف اخرى ومهما
بذل الجاني من جهد في سبيل ذلك . اما اذا
نظر اليها - الجريمة المستحيلة- من حيث
الفعل الواقع بغض النظر عن النتيجة سواء اكانت ممكنة او مستحيلة ، ففي هذه الحالة
تعتبر من صور الشروع التام والمعاقب عليه. لأن الشروع كما اسلفنا يبدأ حيث تبدأ
الجريمة التامة ولا ينتهي حيث تنتهي ، كما ان مناط التجريم هو البدء بالتنفيذ
والذي بدأه الجاني فعلا في الجريمة المستحيلة.
اضافة لذلك فان ما تقتضيه قاعدة شرعية
الجرائم او قانونيتها في الفعل حتى يكون جريمة معاقبا عليه، هو ان يكون مطابقا
لنموذجه القانوني. والنموذج القانوني هو صورة الفعل الذي يعتبره المشرع جريمة
ويضمنها نصا قانونيا. بعبارة اخرى ان تتوافر في الواقعة الخارجية جميع الاركان
والعناصر التي اشترطها المشرع في النموذج القانوني للجريمة. وهنا لابد من تحقق
ركني الجريمة المادي والمعنوي في الجريمة التامة وفي الشروع. فهل تحقق ركنا
الجريمة في صورة الجريمة المستحيلة.
لا يشكل الركن المعنوي معضلة فهو ذاته
في الجريمة التامة وفي الشروع وبما ان الجريمة المستحيلة من صور الشروع فيكون
الركن المعنوي متحقق فيها. فلابد ان يتوافر القصد الجنائي لدى الفاعل في صور
الجريمة الثلاث على حد سواء، ولا فرق في ذلك بين الجريمة التامة والشروع او
الجريمة المستحيلة.
الا ان الامر يختلف في الركن المادي
فهو في الشروع بعض الركن المادي في الجريمة التامة. والاختلاف ينحصر في مدى او
كمية الافعال المادية التي يقوم بها الجاني لتنفيذ جريمته.
فيكون السلوك الجنائي ناقصا في الشروع عنه في الجريمة التامة
حيث تتحقق النتيجة في الثاني بينما تتخلف في الاول.
وحتى تعتبر الواقعة الخارجية جريمة
يعاقب عليها القانون يجب ان تتطابق اركانها وعناصرها مع اركان وعناصر نموذجها الذي
تضمنه القانون بما في ذلك الركن المادي والمعنوي لها. ولكي تصبح الواقعة شروعا
معاقبا عليها يجب ان تتطابق في عناصرها واركانها مع النموذج القانوني ايضا
بأستثناء الركن المادي فلا يكتمل وانما يكفي مجرد البدء بالتنفيذ.