ثنائية الاستثمار والتحكيم
للمستشار / عبد الإله عدياطر ـ عضو نادي قضاة التحكيم الدولي ـ المغرب
يعتبر الاستثمار الوطني والأجنبي الرافعة الأساسية للإقلاع
الاقتصادي والاجتماعي والدعامة الفعالة
للتنمية البشرية. والأنشطة
الاقتصادية تبقى رهينة معادلة السعي إلى الربح والتقليل من التعرض للمخاطر. و إن
من أهم المخاطر التي تواجه الاستثمار في الوقت الحاضر على الصعيد العالمي ليست
المخاطر الاقتصادية وحدها فحسب، بل كذلك المخاطر المتعلقة بالأمن القانوني. وهدا
الأخير يعني توفير المناخ القانوني السليم للاستثمار وإيجاد الآليات القانونية
المحفزة عليه وسيادة دولة القانون في ميدان الأعمال. لذلك تقوم مختلف الدول بتنظيم
معاملات هذا الاستثمار وتقرير الضمانات القانونية له عن طريق إبرام العديد من
الاتفاقيات الثنائية والجماعية مع دول أخرى أو عن طريق وضع تشريعات قانونية وضمانات دقيقة غير قابلة للتغيير
إلا لصالح المستثمر. وإلا فإن أي تعديل قانوني يجب أن يحافظ على الحد الأدنى، وهو
استثمارية القوانين التي تم بموجبها الاستثمار، وأن لا يتضرر المستثمرون في حقوقهم
وحرية حركاتهم وأرباحهم وكل ما يتعلق باستثماراتهم، وأبرز الضمانات التي وضعتها
الدول المضيفة للاستثمار هي :
1 - عدم اللجوء إلى التأميم أو
الحجز أو الحراسة القضائية على الاستثمارات وتحت أي ظرف كان، باستثناء قرار الحجز
الصادر من المحكمة بناء على أدلة يقتنع بها القضاة.
2 - عدم إجراء أي تعديلات أو تغييرات في القانون
المتعلق بالاستثمار وجميع حقوق المستثمر، التي من شأنها الإضرار بمصالح المستثمر،
ويجب تضمين هاتين الفقرتين في قانون الاستثمار الذي ينبغي أن يكون فاعلاً
ومتكاملاً لحماية حقوق المستثمر.
3 - التأمين: عندما يقوم المستثمر الأجنبي بوضع أغلى ما يملك من الأموال للاستثمار خارج حدود بلده، يفكر مقدماً بالتأمين على المشروع الاستثماري. لذا يجب على الدول المضيفة أن تطور شركات التأمين في بلدها وأن تتفق مع شركات تأمين عالمية لتغطية المشاريع الاستثمارية ضد المخاطر الداخلية والخارجية والحروب والثورات الشعبية وجميع الحوادث الأخرى بأنواعها كافة.
3 - التأمين: عندما يقوم المستثمر الأجنبي بوضع أغلى ما يملك من الأموال للاستثمار خارج حدود بلده، يفكر مقدماً بالتأمين على المشروع الاستثماري. لذا يجب على الدول المضيفة أن تطور شركات التأمين في بلدها وأن تتفق مع شركات تأمين عالمية لتغطية المشاريع الاستثمارية ضد المخاطر الداخلية والخارجية والحروب والثورات الشعبية وجميع الحوادث الأخرى بأنواعها كافة.
4 - النص على مجموعة من الإمتيازات
الضريبية والجمركية ومكافآت التجهيز والقروض. إلا أن هذه الإمتيازات قد تختلف من
دولة إلى أخرى وذلك حسب الأهمية التي تمنحها كل دولة للاستثمارات سواء الأجنبية أو
الوطنية.
وإذا كانت قوانين الاستثمار
المقارنة، والاتفاقيات الدولية الخاصة بتشجيع وحماية الاستثمار الأجنبي تحرص على
تحديد حقوق المستثمر والتزاماته من حيث النطاق والمضمون. فالمستثمر يرى أن هذه
الضمانات القانونية الممنوحة له بمقتضى قوانين الاستثمار الداخلية للدولة التي
يرغب في التعامل معها أو بمقتضى الاتفاقيات الدولية غير كافية لتأمينه ضد المخاطر
غير التجارية ما لم يقترن ذلك بوسيلة قضائية بديلة عن القضاء الرسمي متجلية في
التحكيم التجاري الدولي الذي يوفر عدة ضمانات للمستثمر الأجنبي، خاصة إمكانية
مقاضاة الدولة المتعاقد معها والتنفيذ ضدها.
والمغرب منذ حصوله على الاستقلال
وهو ينهج في سياسته الاقتصادية أسلوب تشجيع الاستثمارات فمنذ سنة 1958 توالت
العديد من قوانين الاستثمار التي كانت تهدف إلى زيادة الامتيازات في شكل تصاعدي،
وإلى تبسيط الإجراءات الإدارية الكفيلة بمنح الامتيازات ويمكن التميز في هذا
النطاق بين مرحلتين مهمتين لتعاقب القوانين :
- المرحلة الأولى، وتبدأ مع أول
قانون استثماري أصدره المشرع المغربي بعد الاستقلال وهو قانون 1958وتنتهي بصدور
قانون 1973.
- أما المرحلة الثانية فتميزت
بصدور قوانين الاستثمار لسنوات 1983 و 1988 و1995.
وقد أحدث هذا القانون الأخير تحولا
جدريا في مضامين قوانين الاستثمار التي عرفها المغرب. لما تضمنه من امتيازات
ضريبية في شكل إعفاء وتخفيض من بعض أنواع الضرائب إلى غيرها من الامتيازات.
كما تم اتخاذ
عدة تدابير تهدف إلى إصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي للاستثمار وتشجيع المبادرة
الحرة للمستثمرين المغاربة والأجانب، حيث تم العمل على تحسين فرص جاذبية الاستثمار
من خلال اتخاذ إجراءات اقتصادية وقانونية ومؤسساتية:
فعلى الصعيد الاقتصادي: اتخذت
مجموعة من الإصلاحات الهيكلية بهدف تعزيز الاستقرار الماكرو-اقتصادي، وتقوية
انفتاح الاقتصاد المغربي من خلال التوقيع على العديد من اتفاقيات التبادل الحر
والشراكة، وكذا تعزيز إجراءات التدبير اللامتركز للاستثمار.
- وعلى الصعيد القانوني: تم اعتماد
مدونة الشغل بغية تجميع مختلف القوانين القطاعية المعمول بها، وكذا قانون إطار
بمثابة ميثاق للاستثمارات، كما سنت مدونة جديد للتجارة، وصدرت قوانين جديدة
للشركات،وميثاق المقاولات الصغرى والمتوسطة، ومدونة للتأمين، كما صدرت عدة قوانين
ونصوص تهم الاستثمار في عدة ميادين كالجوانب الجبائية والجمركية، كما تم إدخال
تعديلات على قانون المسطرة المدنية بموجب قانون رقم 05-08 والذي نظم بمقتضاه
التحكيم الدولي لأول مرة.
كما حرص المغرب على التوقيع على
عدة معاهدات واتفاقيات ثنائية لحماية الاستثمار، كما عمد إلى الانضمام لاتفاقية
البنك الدولي المنشئة لمركز تسوية منازعات الاستثمار بين دولة وشخص خاص أجنبي،كما وقع على اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري.
-
أما على الصعيد المؤسساتي: فقد تم إحداث لجنة وزارية لدى السيد الوزير
الأول مكلفة بمشاريع الاستثمار، وتحول صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية
والاجتماعية إلى أداة قوية لدعم الاستثمار في المغرب كما أحدثت عدة مراكز جهوية
للاستثمار وكذا مراكز للتحكيم في عدة مدن من المملكة.
وفي ظل هذا المناخ ظهر التحكيم
التجاري كأهم وسيلة من الوسائل البديلة يرغب المتعاملون في التجارة الدولية اللجوء
إليه لحسم خلافاتهم ،فلا نكاد نجد عقدا من عقود التجارة الدولية خاليا من شرط أو
اتفاق ينص على إتباع التحكيم عند حدوث نزاع أو خلاف يتعلق بإنشائه وتفسيره أو
تنفيذه أو إنهائه.
فالتحكيم والاستثمار يشكلان وجهان
لعملة واحدة، نظرا لارتباط احدهما بالآخر، فالمستثمر لم يعد يقبل بديلا عن
التحكيم، فهو ينظر بعين الريبة والخوف والشك للقضاء الوطني للدولة المتعاقدة، نظرا
لجهله الكامل بالقوانين والأنظمة المتبعة في هذا البلد، وربما تحيز القضاء في هذه
الدولة لمصلحتها. وكذا الأمر بالنسبة للجوء إلى قضاء الدولة التي يتبع لها
المستثمر. علاوة على بطئ إجراءات التقاضي
وتعددها وما قد يلجأ إليه الأطراف من مماطلة لتعدد درجاته كما انه يكبد أطراف
النزاع نفقات فوق طاقتهم.
إن ما يشوب القضاء من سلبيات كثيرة
جعلت الأطراف المتعاقدة يلجؤون إلى التحكيم، فهو طريق سريع لفض المنازعات ويولي
اعتبارا لإرادة الأطراف حيث يمكنهم من اختيار قاضيهم –المحكم-، وتحديد الإجراءات
والقانون الواجب التطبيق بالإضافة إلى تمتعه بالسرية ولما يتميز به المحكم من خبرة
وتخصص وحياد واستقلال.
إن تحرر التحكيم من القواعد
الجامدة، يساعد على إيجاد الحلول الملائمة لمنازعات التجارة الدولية –كعقود
التوريد وعقود نقل التكنولوجيا مثلا – وهي عقود طويلة المدى، تلازمها مشاكل معقدة،
تعجز القوانين الوطنية عن حلها في الكثير من الأحيان.
وإذا كانت العلانية أهم ضمانات
العدالة في القضاء العادي، فإن رغبة أطراف عقود التجارة الدولية في المحافظة على
سرية معاملاتهم، تجعلهم يفضلون اللجوء إلى التحكيم بدلا من القضاء، فكم من تاجر
يفضل خسارة دعواه على كشف أسرار صناعته أو اتفاقات سرية تمثل في نظره قيمة أعلى من
قيمة الحق الذي يناضل من أجله.
كما أن اللجوء إلى التحكيم يعني
اللجوء المباشر إلى خبير بالمسألة محل النزاع، وهذا من بين الأسباب التي تجعله
أسرع من حيث الفصل في النزاع خلافا للقضاء الذي يلجأ فيه القاضي إلى الاستعانة
بخبير وانتظار تقريره، أما المحكم فلا يحتاج إلى خبير بل يتمتع بسلطة تقديرية واسعة
حيث يمكنه الفصل في النزاع على ضوء مبادئ العدالة، والعادات والأعراف التجارية
الدولية المرتبطة بالنزاع وبالتالي فالتحكيم يعتبر مصدر من مصادر القاعدة
القانونية.
فرغم تعدد الوسائل التي يمكن أن
يلجأ إليها الأطراف في عقود الاستثمار لتسوية منازعاتهم. فقد ظلت هناك خاصية ثابتة
لهذه العقود تتعلق على وجه الدقة بالتحكيم كطريقة مقبولة لتسوية منازعاتهم، حيث
يعتبر التحكيم الأسلوب الأمثل لحل هذه المنازعات التي تثيرها العلاقات التي تدخل
الدولة طرفا فيها. فوجود الدولة كطرف في العقد يجعل المستثمر في حاجة إلى ضمانات
قضائية لحماية استثماراته، فعادة ما يرتاح المستثمر إلى قضاء التحكيم الذي أصبح هو
القضاء الطبيعي في هذا المجال. حيث أصبح يساهم بشكل كبير في جلب الاستثمارات
لإعطائه الثقة في نفوس المستثمرين لأنه يتفق مع القواعد الدولية كما يهدف إلى
التغلب على بطء إجراءات الفصل في الدعاوى.
خصوصا وأن المغرب عرف فتح أوراش
كبرى فيما يخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. جلبت العديد من
المستثمرين الأجانب.
كما عرفت الحركة التشريعية في مجال
التحكيم نموا بإدخال تعديلات على قانون المسطرة المدنية بموجب قانون رقم 05-08 والذي نظم بمقتضاه
التحكيم الدولي لأول مرة مما يبين الاهتمام المتزايد بهاته المؤسسة سواء من طرف
المشرع أو المستثمرين.
بالإضافة إلى ازدياد عدد المراكز المتخصصة
في التحكيم التجاري الدولي والوساطة والتوفيق مما يؤكد الدور الذي ستلعبه مستقبلا
هاته المراكز في فض النزاعات الاستثمارية.
هدا كله أدى إلى تشجيع
دخول الاستثمارات الأجنبية وازدياد ثقة المستثمر الأجنبي في المناخ الاقتصادي
الوطني.