مفهوم التحكيم ومدى ارتباطه بالنظام العام
بقلم المستشاره / حنان خطايبي ـ المغرب
يعتبر التحكيم أداة من أدوات تحقيق العدالة في النظم القانونية المعاصرة
ويراد بالتحكيم حسب الفصل 360 من القانون رقم 08.05 :" حل النزاع من لدن هيئة
تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناءا على أتفاق التحكيم.
ويلتزم الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ عن علاقة قانونية
معينة تعاقدية أو غير تعاقدية.
فالالتزام قد يتم قبل وقوع النزاع من خلال شرط التحكيم، وذلك باتفاق
المتعاقدين عند التعاقد وقبل حدوث أي نزاع على إدراج شرط الحكيم بالعقد، والأسباب
التي تدفع للجوء إلى التحكيم تنطلق من الحسنات التي يتصف بها خصوصا في إطار العلاقات الدولية، إذ يقوم على
تبسيط إجراءات الفصل في النزاع والتحرر من الشكليات بأقصى سرعة ممكنة،والسرية في
المحاكمات التجارية من حيث عدم جواز نشر الأسماء أو من حيث عدم إمكانية نشر
الأحكام التحكيمية إلا برضى الأطراف، وكذلك إمكانية تعيين محكمين ذوي خبرة
بالنزاع.
هذا وإن عدم وجود قضاء دولي مختص، وعدم وجود قواعد قانونية موحدة للنظر في
المنازعات التي تنشب بين العاملين في ميدان التجارة الدولية يشكل السبب الأهم في
اللجوء إلى التحكيم.
كما أن المتعاملين في التجارة الدولية يترددون في طرح منازعاتهم أمام
المحاكم الوطنية خشية تطبيق قواعد القانون الداخلي التي في الغالب يجهلون أحكامها.
فتخويل طرفي النزاع التحكيم الحق في اختيار القانون الواجب التطبيق على
النزاع في كل من التحكيم التجاري الدولي والتحكيم الداخلي على حد سواء، لا يؤدي
إلى توحيد القواعد الموضوعية الواجب التطبيق على هذين النوعين من التحكيم توحيدا
كاملا.
فالأصل في التحكيم الداخلي أنه يخضع للقانون الوطني، إذ أن مفهوم النظام
العام في القانون الداخلي يتسع لهذه القواعد كلها دون تمييز.
أما التحكيم الدولي فالأمر يختلف إذ أن التحكيم الدولي لا يتقيد إلا
بالنظام العام بمفهومه الدولي وحده، ومن ثم فالقانون الأجنبي الذي يختاره الطرفان
يكون مقدما على القواعد الوطنية الآمرة التي تخص النظام العام الداخلي وحده، والتي
يتحرر منها النظام العم الدولي.
والملاحظ أن أحد الأهداف الأساسية لالتجاء المتعاملين بالتجارة الدولية إلى
التحكيم كوسيلة لفض منازعاتهم العقدية، وهو تحرير عقودهم من سلطان القوانين
الداخلية وإخضاعها للقواعد الموضوعية في القانون التجاري الدولي.
وقد بات من الأمور شبه المسلم بها في النظم القانونية المعاصرة وجوب
التمييز بين التحكيم في العلاقات الدولية والتحكيم في العلاقات الداخلية في هذا
المقام، فالتحكيم في العلاقات الدولية يخضع للنظام العام الدولي وحده، أما التحكيم
في العلاقات الداخلية فيخضع للنظام العام الداخلي.
لكن أيما كان نوع النظام العام الذي يخضع له التحكيم فالأثر المترتب عليه
واحد، وهو استبعاد الإجراءات التي يختارها الطرفان أو تقريرها هيئة التحكيم كلما
كانت مخالفة للنظام العام، وإحلال القواعد التي يفرضها النظام العام محلها.
وقد اهتم المشرعين في مختلف دول العالم والمنظمات الدولية والمهنية التي
تبني تشريعات تحكيمية أو إدخال تعديلات على التشريعات القائمة حتى تساير التطورات
الحاصلة في ميدان التجارة الدولية ذات الطابع الليبرالية المفرطة، إلا أن هذه
الليبرالية حتى في الدول التي اتصفت فيها بالطابع المفرط فهي ليست مطلقة دون قيود
أو عقبات كذا من نطلقها ومن أبرز هذه القيود قيد النظام العام.
إن النظام العام بصورته الحمائية في معظم الأحيان يتدخل غالبا في نطاق
الأهلية وسلطة الأشخاص الطبيعيين و الاعتبارين، فحسب المادة 308 من قانون
08.05 الخاص بالمحكم تنص أنه يجوز لجميع
الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون
حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها.
فبلوغ سن الرشد يسمح باللجوء إلى التحكيم فيما يتعلق بأمواله، ولكن في بعض
الحالات فإن بلوغ هذا السن وحتى مع وجود الإدراك والتمييز لا يكون كافيا للاعتداد
باتفاق التحكيم أو حتى بصحته.
ومهما يكن ففي الأمر أهمية حول طبيعة الأهلية اللازمة لإبرام اتفاق
التحكيم، فإنها تثبت بحكم النص القانوني الصريح لمن بلغ سن الرشد ولم يكن محجورا
عليه لأحد الأسباب المحددة قانونا، ولا لفاقدي الأهلية وللقاصرين إلا في أحول خاصة
ملحوظة قانونا.
فالأهلية هي الإمكانية المقررة لصاحب الحق بالقيام ب‘مال قانونية تتناول
هذا الحق، وإذا كانت هذه الأهلية متوافرة بالنسبة للأشخاص الذين بلغوا سن الرشد،
فإن مسألة انعدامها أو نقصانها تثار بخصوص الأشخاص القاصرين أو الراشدين الذين
فقدوا التمييز كليا أو جزئيا بفعل أحد عوارض الأهلية كالجنون والعته والسفه، كما
تثار بصدد الأشخاص الذين يتمتعون بالأهلية الكاملة مع تمام التمييز، إلا أنهم
ممنوعون من التصرف ومن ثم اللجوء إلى التحكيم لأسباب قانونية تتعلق بالظرف الذي
يوجدون فيه، كالمحكوم عليهم بعقوبة جنائية أو المفلس.
وعليه فإن المنع في جميع الحالات السابقة يتعلق بالنظام العام وكون البطلان
المطلق المقرر كجزاء لا يكون مقررا إلا بصدد مخالفة متعلقة بالنظام العام.