مــــــــــــاذا يحدث فــــي ســـــــــيناء ؟
بقلم المستشار الدكتور / محمد الصعيدي
رئيس نادي قضاة التحكيم الدولي
محاضر القانون الجنائي والتحكيم الدولي بالجامعات العربية
من يسمع باسم أنصار بيت المقدس, يتخيل اليه ان هذه حركة مقاومة على حدود القدس, تعد العدة للفتح المبين لاستعادة المقدسات التي انتهك حرمتها الکيان الاسرائيلي وما تزال .. ويتخيل ان راية الانصار الجدد ترفرف على سواتر مواقع الکيان الاسرائيلي على الحدود الجغرافية المغصوبة لفلسطين.
فمن هي حركة انصار بيت المقدس والي اين تتوجه في "جهادها"؟؟
جماعة أنصار بيت المقدس اسم تم تغييره من قبل الجماعة إلى «ولاية سيناء» منذ إعلانها مبايعة تنظيم داعش الارهابي. عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم, لاح اسم الجماعة الى الافق, وبدأت نشاطها عبر عمليات تفجير ومهاجمة أهداف ومنشآت عسكرية في مصر.
اتخذت الجماعة من سيناء مركزا لانطلاق نشاطها، وأعلنت أنها تحارب الکيان الإسرائيلي, وبالفعل نفذت بعض العمليات التي استهدفت الكيان الصهيوني, حيث قامت بتفجير العديد من الخطوط التى تنقل الغاز من مصرالى الكيان الإسرائيلي, وكذلك شنت الجماعة هجمات على القوات الاسرائيلية في سبتمبر عام ٢٠١٢, كما أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على مدينة إيلات الاسرائلية والذى حدث في ٢٠ يناير ٢٠١٤.
ولكن رغم هذه العمليات المحصورة التي طالت الكيان الصهيوني, يبقى توجه الجماعة بزخمها واندفاعها شغوفا ومنجرفا الي الساحة المصرية الداخلية, وتبقى عملياتها العسكرية والامنية تستهدف بفعالية وقوة الداخل المصري, ولهذا كلام كثير حول الوجهة والاهداف التي تنشدها جماعة ادعت انها انصار بيت المقدس, لتصبح انصار هدم القاهرة, وكأن طريق القدس يمر عبر القاهرة, فالقدس في فلسطين, وكل ما ينحرف عن فلسطين لا يخدم قضية القدس ولا يصب في انهاء الاحتلال الاسرائيلي ابدا.
فسواء كانت هذه الجماعة حركة جهادية مقاومة بداية ولكنها مع عزل محمد مرسي بدأت تنحرف تلقائيا أو من خلال الدخول الاستخباراتي الاسرائيلي عبر التغلغل الى داخل الجماعة واحتواء قياداتها وحرف وجهة عملياتها وفق المصلحة الاسرائيلية التي دفعتها للتورط في الداخل المصري, أم أن الجماعة اتخذت من شعاراتها الاولى ضد الکيان الاسرائيلي عوامل استقطاب وتمكين لتجمع قدراتها وتستقطب العدد والعدة وتستغل الجهات المتطرفة داخل غزة لتأمين العديد والسلاح, ومن ثم انتقلت الى مرحلة الاعلان عن توجهها الفعلي عبر مبايعة تنظيم داعش الارهابي في ظل التغييرات السياسية التي اطاحت بحكم الاخوان المسملين.
وعلى كل الحالات, يبقى للارهاب في سيناء وجهة بارزة تبناها, استبدل فيها نصرة القدس لتصبح نصرة بيت المقدس حركة داعشية تطمع لاقامة امارة في سيناء, في مسلسل الامارات الداعشية المشبوهة في جغرافيتها وتوقيتها!!
ان ظهور هذه الحركة في سيناء, امر له مدلولات خطيرة جدا, فمن يقتنع أن الكيان الاسرائيلي يترك مراقبة سيناء الاستراتيجية ويهمل الوضع الامني فيها الى حد ظهور جماعات تكفيرية تملك اسلحة ثقيلة وتنفذ عروضات عسكريةعلنية وتعلن ولاءها لتنظيم داعش الارهابي؟؟؟
أم أن لوجهة العمل الجهادي الجديد لهذه المجموعة, الوقع الكافي لطمأنة الكيان الاسرائيلي بأنها جزء لا يتجزأ من سلسلة الحركات التكفيرية المستنسخة التي تؤدي دورا اسرائيليا بامتياز عبر استنزاف طاقة الجيوش العربية وادخال البلاد المجاورة للکيان الاسرائيلي في اتون حرب داخلية لاستنزافها وتدمير مقدراتها وامكاناتها وشق الوحدة التي تعيشها هذه الدول, لأن وحدة العرب, هي رعب لاسرائيل التي تعتاش على سياسة فرق تسد !!
فما يرسمه المشهد لهذه الحركات التكفيرية مهما رفعت من شعارات لا تمت الى نشاطها بصلة, فالتنظيم الاسلامي في العراق والشام, يتكفل بهدم كل منجزات الاسلام والقضاء على الثروة الحضارية لهذا الدين وما هي الا نتاج كلام يجب ان لا يغيب عن عقلنا يلخص فلسفة ظهور تيار داعش الإرهابي وانحسار دور تنظيم القاعدة, ليختفي الظواهري ويموت اسامة بن لادن, ويتصدر المشهد تيار عربي ليس افغاني وما لهذا الانتخاب من دلالات واهمية, بأميره ابو بكر البغدادي, ويكون الدين الذي يريد مسؤول جهاز الاستخبارات الامريكية السابق "جيمس وولسي" الذي صرح في فيديو منتشر علنا على الشبكة العنكبوتية عام ٢٠٠٦: "سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات ثم قادمون للزحف وسوف ننتصر .." فكانت داعش التنظيم الارهابي, الخادم الحقيقي لجيمس وولسي.
ولا تنتهي السلسلة هنا, بل تستكمل جبهة النصرة, مسلسل التناقض بين الشعارات والممارسات, وتصبح النصرة للکيان الاسرائيلي معدة في الجولان والجنوب السوري, وتعلن الجبهة القتال ضد حزب الله وتكتل عديدها ابتداءا في القصير والقرى اللبنانية الواقعة ضمن الحدود السورية المتاخمة للبنان منذ بداية الازمة السورية, ويضطر الحزب الذي فهم الرسالة بكياسة من اول التحركات أن المطلوب هو استهدافه من الداخل عبر هذه الحركات لانهاكه في اقتتال يتخذ طابع الطائفية مع بعض الخدمات الاعلامية الاسرائيلية والامريكية المعدة مسبقا, وأخيرا تكشف الايام عن جيش لحد الجديد على حدود الاسرائيلي.
إن ما يحصل في سيناء اليوم, هو حلقة من هذا المسلسل المتواصل, لكن مع خصوصية اخطر بملاحظة الموقع الجيوسياسي الذي تختص فيه سيناء.