جريمة الإغتصاب ما
هي عناصرها وكيف تحدد عقوبتها؟
المستشار / محمد الصعيدي
سفير التنمية القانونية بالليديك
رئيس نادي قضاة التحكيم الدولي
محاضر القانون الجنائي والتحكيم الدولي بالجامعات العربية
تعتبر جريمة الإغتصاب إحدى أشد
جرائم الإعتداء على العرض جسامة، وهي تشكل في الوقت نفسه اعتداء على الحرية
العامة، واعتداء على حصانة جسم الإنسان. وقد يكون من شأنها الإضرار بالصحة الجسدية
أو النفسية أو العقلية؛ وهي اعتداء على الشرف، وقد تقلل من فرص الزواج أو تمس
بالاستقرار العائلي في المجتمع، كما أنها قد تفرض أمومة غير شرعية فتلحق أضراراً
مادية ومعنوية على السواء؛ فهي إذاً جريمة تمسّ بأمن المجتمع.
تعريف جريمة الإغتصاب
عرّف فقهاء القانون الإغتصاب بأنه
اتصال رجل بإمرأة اتصالاً جنسياً كاملاً من دون رضاء صحيح منها. كما عرّفه
الاجتهاد اللبناني بأنه الإكراه بالتهديد والعنف على الجماع. واعتبرت المادة 503
من قانون العقوبات اللبناني أن الاغتصاب هو إكراه غير الزوج بالعنف والتهديد على
الجماع. ويعتبر الفقهاء المصريون أن الاغتصاب هو المواقعة غير المشروعة التي تُجبر
الأنثى عليها، والاغتصاب بهذا المفهوم لا يقع إلا من رجل على إمرأة، أما إذا أكرهت
أنثى رجلاً على مواقعتها فلا تعتبر أنها اغتصبته، إنما هتكت عرضه، أي ارتكبت عملاً
منافياً للحشمة. وعرّفت المادة 267 من قانون العقوبات المصري جريمة الاغتصاب بأنها
مواقعة أنثى بغير رضاها. أما القانون الفرنسي فقد عرّف الاغتصاب بأنه كل فعل إيلاج
جنسي مهما كانت طبيعته يرتكب بحق شخص الغير عن طريق العنف أو الإكراه أو المفاجأة.
وبالتالي يمكن أن يقع الاغتصاب بمفهوم القانون
الفرنسي على الرجال والنساء على حد سواء، لأن لفظة شخص هي لفظة شاملة
.
عناصر جريمة الاغتصاب
تقوم جريمة الاغتصاب على ثلاثة
عناصر هي: أولاً، الفعل المادي المتمثل بالجماع، ثانياً، الإكراه بالعنف والتهديد،
وثالثاً، القصد الجرمي.
■ العنصر الأول: الفعل المادي المتمثل بالجماع:
يُقصد بالجماع الإتصال الجنسي الكامل بين رجل وامرأة، اتصالاً غير مشروع.
وهو يعني التقاء الأعضاء التناسلية التقاءً طبيعياً، وسواء كان الاتصال كلياً أو
جزئياً، وسواء بلغ المتهم شهوته أم لم يبلغها. ولا يُشترط أن يُرتّب الفعل تمزيق
غشاء البكارة. ولا تتوفر جريمة الاغتصاب في الأفعال التي من شأنها العبث في أحد
أعضاء الجسد التي تعتبر عورة كالثدي في جسم المرأة، بل قد نكون أمام جريمة الفحشاء
الناتجة عن الفعل المنافي للحشمة إذا توفرت أركانها وفقاً للمادة 507 وما يليها من
قانون العقوبات اللبناني. ولا تقوم جريمة الاغتصاب بتلقيح المرأة اصطناعياً من دون
إرادتها، ولو أفضى ذلك الى حملها، إذ لا وجود لفعل الجماع الذي يتطلب الإتصال
الجنسي.
طرفا جريمة الاغتصاب:
إن الجماع المتمثل بالاتصال
الجنسي يستوجب أن يكون طرفاه رجلاً وامرأة، وتفترض هذه الجريمة أن يكون الرجل هو
الجاني، وأن المرأة هي المجني عليها. فلا تتصور جريمة الاغتصاب إذا كان الطرفان من
جنس واحد، كما لو كانا رجلين أو امرأتين، حيث يكون الفعل من الأفعال الجرمية
المنافية للحشمة لا جريمة اغتصاب. ولا تقوم جريمة الاغتصاب إذا كانت المرأة هي
التي حملت الرجل على الإتصال بها. لكن هذه الجريمة تقوم إذا كان الاتصال بغير رضاء
صحيح من المجني عليها. ويجـب لقيـام جريمـة الاغتصاب أن تـكون المجـني عليها
امـرأة حـية، إذ يخرج من نطاق هذه الجريمة فسق الرجل بجثة امرأة ميتة.
عدم شرعية الاتصال الجنسي:
إذا كان الإتصال الجنسي والجماع
بين الرجل والمرأة مشروعاً فلا يتحقق الركن المادي لجريمة الاغتصاب، كما هو الحال
في ظل نظام الزواج الذي يعترف للزوج بالحق في الاتصال ويفرض على المرأة الإلتزام
بقبوله. وقد حددت المادة 503 قانون العقوبات اللبناني جريمة الاغتصاب بمن أكره غير
زوجه على الجماع. فلا يعتبر الزوج مرتكباً لجريمة الاغتصاب إذا أكره زوجته على
الصلة الجنسية، ولكن إذا كانت أفعال الإكراه في ذاتها تشكل جريمة مستقلة، كالضرب
المبرح أو القدح والذم اللاذعين، التي تخرج عن حدود حق الزوج في التأديب، كان
الزوج مسؤولاً عن ذلك، كأن يُعاقب على جريمة إيذاء أو جريمة قدح وذم إذا تحققت
عناصرها الجرمية. وتوجب شرعية الإتصال الجنسي والجماع في ظل الزواج أن يكون هذا الزواج
شرعياً وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. وإذا كان القانون اللبناني قد اشترط وقوع
جريمة الإغتصاب على غير الزوج، فإن القانون المصري لم يشترط أن تكون المرأة
المعتدى عليها غير الزوجة، حيث نص في المادة 267 قانون العقوبات المصري على أن
الاغتصاب هو مواقعة الأنثى بغير رضاها، من دون تحديدها بالزوجة. لكن بعض القوانين،
كالقانون الفرنسي والقانون الألماني، عاقبت الزوج على جريمة الاغتصاب عند إقدامه
على إكراه زوجته على الإتصال الجنسي، إضافة الى أن هذه القوانين لم تحصر جريمة
الاغتصاب بالأنثى بل من الممكن تصوّر وقوعها على الذكر.
■ العنصر الثاني: الإكراه بالعنف
والتهديد لارتكاب جريمة الاغتصاب:
اشترطت المادة 503 قانون العقوبات
اللبناني لقيام جريمة الاغتصاب أن يقع الجماع عن طريق الإكراه بالعنف والتهديد.
ويُقسم الإكراه الى نوعين: مادي ومعنوي.
الإكراه المادي:
هو أفعال العنف التي تُرتكب على
جسم المرأة وتستهدف إحباط المقاومة التي تعترض بها فعل الجاني. والأصل أن يتخذ
العنف صورة الضرب أو الجرح، لكنه قد يتخذ أيضاً صورة الفعل القسري، أياً كان،
فيُعدم أو يُضعف القدرة على المقاومة، لذلك يعتبر إكراهاً مادياً الإمساك بأعضاء
المرأة التي قد تستعملها في المقاومة أو تقييدها بالحبال. وقد يصدر الإكراه عن شخص
آخر يقدّم معونته الى الجاني. وقد تكون المجني عليها صغيرة السن أو ضعيفة أو مريضة
جسدياً أو نفسياً، بحيث يكفي عنف قليل لإحباط مقاومتها. وقد يصدر العنف أو التهديد
أولاً لإكراه المجني عليها فتستسلم لرغبات الجاني وهي عاجزة عن إبداء أية مقاومة.
ولا يُشترط أن يترك الإكراه المادي أثراً بجسم المجني عليها أو بجسم الجاني.
ويُشترط في الإكراه المادي توفر شرطين، هما: أن يقع الإكراه المادي على المجني
عليها نفسها، وأن يكون الإكراه المادي مؤثراً في منع مقاومتها. فإذا وقع الإكراه
المادي على أحد المقيمين معها أو حطّم الجاني شيئاً بالمكان أو قتل حيواناً، فرضيت
بعد ذلك بالفعل، فلا يتوفر الإكراه المادي. كما أن العبرة هي في أثر الإكراه على
إرادة المجني عليها، وهذه المسألة تقدرها محكمة الأساس. أما إذا كانت مقاومة
الأنثى نوعاً من التمنع أو الدلال أو الحياء الطبيعي الذي يجعلها لا تستسلم إلا
بعد إلحاح من الرجل، فلا يتوفر الإكراه المادي. وإذا اعتقد الرجل أن مقاومة الأنثى
غير جدية وناتجة عن الحياء الطبيعي أو الدلال، فلا يتوفر في حقه القصد الجرمي؛ كما
هي الحال في العلاقات التي قد تحدث مع الخطيب أو الجار أو الصديق، فتتقدم الفتاة
بشكوى، نتيجة الخلافات الشخصية، مدعية الاغتصاب لإرغام الرجل على الزواج منها، فلا
تقوم جريمة الاغتصاب لأن العلاقة كانت قائمة بالرضا والقبول المتبادل بين الطرفين.
الإكراه المعنوي:
يتميز الإكراه المعنوي بعدم
استخدام القوة المادية، لكن النتيجة تكون واحدة في الحالتين. وهي تتمثل في انعدام
الرضا عند المرأة واستسلامها للجاني تحت تأثير عقلي وخوف شديد. والإكراه المعنوي
هو التهديد بشر جسيم وحال من قبل الجاني إذا رفضت الصلة الجنسية التي يريدها،
والعبرة بتأثير التهديد على إرادة المجني عليها، وهي مسألة يعود تقديرها لمحكمة
الأساس. والأمر سواء أن يهدد الشر المرأة أو مالها، أو شخصاً عزيزاً عليها،
كالتهديد بقتل ابنها أو أحد أقاربها الأعزاء. ويستوي أن يكون موضوع التهديد فعلاً
إجرامياً أو أمراً مشروعاً، كتهديد امرأة بالإبلاغ عن جريمة ارتكبتها إن لم تقبل
الصلة الجنسية.
الشروع في الاغتصاب أو محاولة ارتكاب جريمة الاغتصاب: المحاولة الجرمية،
وفقاً للمادة 200 قانون العقوبات اللبناني، هي كل محاولة لارتكاب جناية بدأت
بأفعال ترمي مباشرة الى اقترافها، إذا لم يحل دون اتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة
الفاعل. وتطبيقاً لذلك يعتبر شروعاً أو محاولة في ارتكاب جناية الاغتصاب كل فعل
اكراه بالعنف والتهديد لحمل المرأة على الاستسلام لحصول الجماع أو الصلة الجنسية،
كإعطائها مادة مسكرة أو مخدرة أو تنويمها من أجل ذلك الغرض، أو محاولة خلع ملابسها
أو إركابها في سيارة أو غيرها ولو بالخداع، أو اصطحابها الى المكان الذي ينوي
الجاني ارتكاب الجريمة فيه. وتفترض المحاولة الجرمية أو الشروع الجرمي أنه قد أعقب
البدء في التنفيذ عدم إتمام جريمة الاغتصاب لظروف خارجة عن إرادة الفاعل، كنجدتها
من أحد، أو المقاومة الشرسة والدفاع المستميت من المرأة عن نفسها وعن شرفها.
■العنصر الثالث: القصد الجرمي
في جريمة الاغتصاب:
تعتبر جريمة الاغتصاب من الجرائم
العمدية التي تتطلب وجود القصد الجرمي، وهو يتمثل بإنصراف الإرادة الى ارتكاب
الفعل وعلمه بأنه يُكره المجني عليها على الجماع والصلة الجنسية. ويعتبر استعمال
القوة أو العنف أو التهديد قرينة على القصد الجرمي في أغلب الحالات. وقد يتصور، في
حالات قليلة جداً، انعدام القصد الجرمي بالرغم من استعمال القوة، كاعتقاد المتهم
بوجود الرضاء عند مواقعة عشيقته رغم معارضتها ظناً منه أنها تتظاهر بالتمنع لتُشعل
فيه نار الرغبة، حتى ولو كان اعتقاده مستنداً الى تقدير خاطئ. وهو أمر يعود تقديره
لمحكمة الأساس. وتخضع جريمة الاغتصاب للقاعدة العامة التي تقضي بأنه لا عبرة
للباعث في تحديد عناصر الجريمة، فلا أهمية للباعث في ارتكاب جريمة الاغتصاب، سواء
أكان الشهوة، أم حب الاستطلاع، أم الانتقام من المرأة أو من ذويها لإنزال العار
بهم. ويقوم القصد الجرمي على عنصري العلم والإرادة، والفعل الجرمي في جريمة
الاغتصاب هو فعل إرادي بطبيعته، لأنه يصدر عن رغبة ويستهدف إشباع شهوة.
عقوبة جريمة الاغتصاب
تعتبر جريمة الاغتصاب في القانون
اللـبناني جنـاية يعـاقب عليها بالأشـغال الشاقة خمـس سـنوات على الأقل وفـقاً
للمـادة 503 قانون العقوبات. وحدد المشترع الظروف المشددة والظروف المخففة لجريمة
الاغتصاب على النحو التالي:
■ تشديد العقوبة:
- لا تنـقـص العقـوبة عـن سبـع سنوات إذا كان المعـتدى عليه لم يتـم
الخامـسة عشـرة من العـمر (م 503/2 عقـوبات)
- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من جامع شخصاً غير زوجه لا يستطيع
المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوه من ضروب الخداع (م 504
عقوبات)
- من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره عوقب بالأشغال الشاقة
المؤقتة. ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا كان الولد لم يتم الثانية عشرة من
عمره. ومن جامع قاصراً أتمّ الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة عوقب
بالحبس من شهرين الى سنتين (م 505 عقوبات)
- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من جامع قاصراً بين الخامسة عشرة
والثامنة عشرة من عمره من أحد أصوله (شرعياً كان أو غير شرعي)
أو أحد أصهاره لجهة الأصول، وكل شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية أو
أحد خدم أولئك الأشخاص. ويقضى بالعقوبة نفسها إذا كان المجرم موظفاً أو رجل دين أو
كان مدير مكـتب استـخدام أو عاملاً فيه فارتكب الفعل مسيئاً استعمال السلطة أو
التسهيلات التي يستمدها من وظيفته (م 506 عقوبات)
. تشدد العقوبة إذا اقترفها شخصان أو أكثر اشتركوا في التغلب على مقاومة
المعتدى عليه أو تعاقبوا على إجراء الفحش به. كما تشدد العقوبة إذا أصيب المعتدى
عليه بمرض زهري أو بأي مرض آخر أو أذى تسبب عنهما تعطيل تزيد مدته عن عشرة أيام،
أو إذا كانت المعتدى عليها بكراً فأزيلت بكارتها. وإذا أدت الجريمة الى موت
المعتدى عليه ولم يكن الفاعل قد أراد هذه النتيجة فلا تنقص العقوبة عن اثنتي عشرة
سنة (م 512 عقوبات)
- تشدد العقوبة في حالة التكرار أو تعدد الجرائم (م 258 و205 عقوبات)
■ تخفيف العقوبة
- إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب الجريمة وبين المعتدى عليها، أوقفت
الملاحقة، وإذا صدر حكم بالقضية عُلّق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه. ويُعاد الى
الملاحقة أو الى تنفيذ العقوبة قبل انقضاء خمس سنوات على الجناية، إذا انتهى
الزواج إما بطلاق المرأة من دون سبب مشروع أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى
عليها (م 522 عقوبات)
- إذا وُجـدت في القضـية أسـباب أو أعذار مخففة تخفض العقوبة وفقاً
للمادة 251 وما يليها من قانون العقوبات. ومن الأمثلة على ذلك: اسقاط الحقوق
الشخصية، وسن المتهم؛ كعدم بلوغه السن القانوني، والعدول الاختياري؛ كحالة المجرم
الذي قام بضرب الضحية ونزع ملابسها ثم عَدَلَ عن اغتصابها، فهو لا يُعاقب على
جريمة الاغتصاب ولكن يُعاقب على جريمة الإيذاء وعلى جريمة الفحشاء المتمثلة
بالفـعل المنافي للحشمة وفقاً للمادة 200 معطوفة على المواد 554 و507 وما يليها من
قانون العقوبات، شرط أن يكـون رجوعه عن ارتكاب جريمة الاغتصاب يعـود لأسباب
اختـيارية خاصة به، لا لأسباب خارجة عن إرادته تعتبر محاولة أو شروعاً في جريمة
الاغتصاب.