النظريات الطبيعة القانونية للتحكيم
اعـــــداد المستشـــــار / احمـــــــد بلتاجي عضو نادي قضاة التحكيم الدولي
. ثار كثير من الجدل حول الطبيعة القانونية للتحكيم . لما تشكله هذه الطبيعة من اهمية خاصة فى معرفة جوهر التحكيم . وبيان ما هيته . وكذا تحديد الاسباب التى دعت الافراد الى اللجوء للتحكيم كطريق خاص بعيدا عن قضاء الدولة . وما هو مصدر تلك القوة الالزامية التى يتمتع بها حكم التحكيم . وما هى الاسباب التى دعت طرفى الخصومة للخضوع لحكم التحكيم والانصياع له دون تدخل مباشر من الدولة . وما هى الاسباب التى دعت الدولة لان تتنازل عن هيمنتها وعن شكل من اشكال سيادتها فى اهم مرفق من مرافقها الا وهو القضاء . بل وقد اعطت لحكم التحكيم ذات القوة والاهمية التى اعطتها لاحكام المحكم . واحاطته بسياج خاص . وحددت الخصوم طريقا ضيقا حرجا للرجوع على حكم التحكيم بالبطلان او لمحاولة تعطيل فاعليته او تنفيذه . . وتاتى اهمية تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم . وعما اذا كان التحكيم ذا طبيعة تعاقدية ام قضائية . نظرا لما تثيره هذه الطبيعة من جدل فقهى واسع . نابع من المشكلات العملية التى تتعلق بهذه الطبيعة . لما يترتب على تحديد هذه الطبيعة من نتائج نوردها على النحو التى : اولا : من حيث القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع : . فانصار النظرة التعاقدية يرون ان القانون الذى اتفق عليه الاطراف لكى يحكم النزاع وهو قانون الارادة . هو القانون واجب التطبيق . وهم بذالك ينتصروا لمبدا سلطان الارادة ويعلوا من شان اتفاق الاطراف دون النظر لاى مقتضيات اخرى وذلك بخلاف انصار الطبيعة القضائية الذين يؤمنون بالمعيار الموضوعى وهم يفضلون دائما قانون محل التحكيم . باعتباره القانون الموضوعى وهو انسب القوانين واكثرها اتصالا بموضوع النزاع . ثانيا : من حيث حكم التحكيم : . للنظرية التعاقدية فان حكم التحكيم يعد مجرد نتيجة لاتفاق الاطراف للخضوع الى التحكيم . فالمحكم هنا لا يخضع للتدرج القضائى الذى يعرفه الاطراف للخضوع الى التحكيم . فالحكم هنا لا يخضع للتدريج القضائى الذى يعرفه الحكم الصادر من المحاكم . ولا يكون واجب النفاذ الا اذا اقرته المحكمة بناء على دعوى يتقدم بها احد الطراف للوصول الى حكم لتنفذه وذلك بعكس انصار النظرة القضائية الذين يرون فى حكم صدور ه ولا يحتاج الى اى اجراء اخر . ثالثا : من حيث طبيعة المهمة التى يقوم بها المحكم : . فطبقا للنظرية التعاقدية فان اساس مهمة المحكم تتبع من اتفاق التحكيم الذى عقدة الاطراف . وان الذى يحدد شخص المحكم . ويحدد مهمته . والقانون الذى يطبقه على موضوع النزاع . وكذا الاجراءات التى يتبعها . والاتعاب التى يتقاضاها هم الاطراف ذاتهم ووفقا لاتفاقهم . وان دور الدولة يقف فقط عند حد ( الدولة الحارسة ) التى تسهر على منع المساس بالنظام العام . اما انصار النظرة القضائية فهم يرون ان مهمة المحكم هو الفصل فى موضوع النزاع شانه شان القاضى . وان اساس حجية احكامه تتبع من مراقب الدولة لهذه الاحكام والتدخل بقواعد امرة لتضمن سلامة الحكم واجراءاته . . ومن هنا فقط ووسط هذا الجدول حول طبيعة التحكيم . نستطيع ان نسوق اليكم بعض الافكار . وان نعرض بعض المفاهيم التى دارت فى فلك فقهاء القانون عند محاولتهم للرد على هذه التساؤلات . لتحديد جوهر التحكيم و طبيعته . وهل هو ذا طبيعة تعاقدية بحتة ام قضائية بحتة ام ذا طبيعة مختلطة تجمع بين هاتين الطبيعتي . ثم ننتهى بعد ذلك براى خاص فى هذا الموضوع : 1 : نظرية الطبيعة التعاقدية للتحكيم : . يرى انصار هذه النظرية ان اتفاق الاطراف حول التحكيم . هو قوام التحكيم واساس تواجده . سواء اكان هذا الاتفاق بند من بنود العقد او مكون من مكوناته . ام كان اتفاق لا حق يمثل مشارطتا للتحكيم . وان مقومات التحكيم من حيث القانون المطبق . والاجراءات المتبعة . والحكم الملزم الذى يصدره المحكم فى نهاية النزاع . يستمد قوته القانونية والالزامية من هذا الاتفاق . وبهذا يعتبر اتفاق التحكيم والحكم الذى يصدر فيه وما بينهما من خصومة تحكيمية جزء من الاتفاق الموقع بين الاطراف حول التحكيم . . ولقد بدات هذة النظرية فى الانتشار خاصة بعد حكم محكمة النقض الفرنسية الشهير 1812 بصدد اتفاق التحكيم والذى اكد صراحة على ان اساس وجود التحكيم وما يشمله من حكم ملزم يرجع للاتفاق المبرم بين الاطراف على التحكيم . . كما اكدت محكمه النقض الفرنسية فى احكامها المتاقبة هذه الطبيعة التعاقدية . وذلك عندما سطرت فى حكمها الصادر فى 27 يوليو سنة 1937 ان قرارات التحكيم الصادرة على اساس مشارطة التحكيم . تكون وحده واحدة مع هذه المشارطة وتشاركها جنبا الى جنب فى صفتها التعاقدية . 2 : نظرية الطبيعة القضائية للتحكيم : . يرى انصار هذة النظرية انه اذا كان التحكيم يبدا بعقد فهو ينتهى بحكم . وهذا الحكم يعتبر عملا من اعمال القضاء . والمحكم لا يعمل بارادة الخصوم وحدها . بل ان فكرة المنازعة وكيفية حلها واجراءات العدالة التى تحيط اجراءاتها هى التى تؤصل الطبيعة القضائية فى العمل الذى يقوم به المحكم باعتباره قاضيا . يختاره الخصوم ليقول كلمة الحق او حكم القانون بينهم . وانه وان كان الخصوم قد ابتدءوا التحكيم بعمل ارادى وهو الاتفاق الذى وقع فيما بينهم . فهذا الاتفاق لا يستطيع بذاته ان يتحرك الا من خلال عمل ذا طبيعة قضائية . مثله مثل العمل الارادى الذى يقوم به الافراد عند اللجوء الى قضاء الدول . . وقد بدات هذه النظرية فى الانتشار خاصة بعد حكم مجلس الدولة الفرنسى فى 17 مارس لسنة 1893 فى قضية سكك حديد الشمال . وذلك بان اعتبر التحكيم لا سيما الذى يصدر فيه عملا قضائيا . . وبهذا يتضح وفقا لانصار هذه النظرية . ان التحكيم يتمتع بتلك الطبيعة القضائية بفصل المهمة الموكولة الى المحكم . ووظيفته القضائية التى يباشرها وقراره الذى يعد بمثابة الحكم القضائى الذى يلزم كل من خضع له . 3 : نظرية الطبيعة المخلطة للتحكيم : . يرى انصار هذه النظرية ان التحكيم لا يمكن ان نسبغ عليه الطبيعة التعاقدية البحتة ولا الطبيعة القضائية فى طبيعتها وموضوعها ولكن يبقى مصدر