مفهوم مناخ
الاستثمار.
للمستشار / عبد الإله عديياطر
المحكم الدولي ـ عضو نادي قضاة التحكيم الدولي
لعله من
البديهي أن نتعرض لمسألة أولية، يعد من الأهمية بمكان التعرض لها، قبل الشروع في
الحديث عن مناخ الاستثمار ومحدداته، والمسألة الأولية هذه تتمحور حول تحديد مفهوم
الاستثمار الأجنبي (الفقرة الأولى)، ثم التعرض لمفهوم مناخ الاستثمار (الفقرة
الثانية)
تعريف
الاستثمار الأجنبي يقتضي منا تعريفه لغة، ثم نتناول ما أورده فقهاء القانون
والاقتصاد من تعاريف، مع إيراد تعريفه القانوني على صعيد التشريعات الوطنية
والاتفاقيات الدولية، الثنائية والجماعية.
أولا: التعريف اللغوي
للاستثمار
الاستثمار لغة
من الثمر وهو أنواع المال وجمع الثمار والثمر هو المال المثمر، يعني استخدام المال
وتشغيله بقصد تحقيق ثمرة هذا الاستخدام، فيكثر المال وينمو على مدى الزمن، وهو ما يستفاد من قوله
تعالى "وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا واعز نفرا...".
أما الأجنبي لغة
فهو من فعل جنب يقال جار جنب والصاحب بالجنب وهو الذي يقرب منك فيكون بجانبك.
والأجنبي
والأجنب هو الذي لا ينقاد وهو أيضا الغريب يقال رجل جانب، وجنب أي غريب والجمع
أجانب، أي الغرباء.
ثانيا: التعريف
الفقهي للاستثمار الأجنبي.
يبدوا مصطلح الاستثمار
مفهوما مألوفا، لكنه يثير عدة مظاهر للغموض لدى الفقهاء القانونيين والاقتصاديين
على حد سواء.
1- تعريف الاستثمار
في الفقه القانوني
جاء اهتمام
فقهاء القانون بفكرة الاستثمار الأجنبي متأخرا بعض الشيء عن فقهاء الاقتصاد، إلا
أنهم بذلوا جهودا كبيرة في هذا المجال سعوا إلى وضع نظام قانوني للاستثمارات
الأجنبية لمواجهة ما قد يحدث من منازعات قانونية بخصوصها إذ قامت اللجنة التي
شكلها إتحاد القانون الدولي بتعريف الاستثمار الأجنبي انه "تحركات رؤوس
الأموال من البلد المستثمر نحو البلد المستفيد بغير تنظيم مباشر."، إلا أن هذا التعريف تعددت
حوله الآراء الفقهية بين معارض و مؤيد له، حيث وصفه بعض الفقهاء بأنه فضفاضا مطالبين بتحديد
ماهية رؤوس الأموال المسموح باستثمارها، من اجل إقامة نظام قانوني للاستثمار
متماسك ومحدد.
يتضح لنا أن
الاستثمار الأجنبي بالرغم من كونه مصطلحا كثير التداول وشائعا إلا انه في حقيقة الأمر
ليس بالمصطلح المتفق على مدلوله القانوني ومرد ذلك يرجع إلى الأسس المختلفة التي
استند إليها الفقه في تعريفه له.
2- تعريف الاستثمار الأجنبي في الفقه الاقتصادي
لا يتجادل
اثنان في أن فقهاء الاقتصاد كانوا سباقين في الاهتمام بفكرة الاستثمار الأجنبي
دراسة وتحليلا ،وقد أوردوا مجموعة من التعاريف الاقتصادية له، نذكر منها على سبيل
المثال لا الحصر:
فقد عرفه
الدكتور فريدا النجار بأنه "يقصد بالاستثمار الوافد المباشر السماح
للمستثمرين من خارج الدولة تملك أصول ثابتة ومتغيرة بغرض التوظيف الاقتصادي في
المشروعات المختلفة، أي تأسيس شركات أو الدخول شركاء في شركات لتحقيق عدد من
الأهداف الاقتصادية المختلفة.
كما يرى
الدكتور نزيه عبد المقصود محمد مبروك انه "يقصد بالاستثمارات الأجنبية تلك
الاستثمارات التي يملكها و يديرها المستثمر الأجنبي إما بسبب ملكيته الكاملة لها، أو ملكيته لنصيب
منها يكفل له حق الإدارة".
ويستفاد من هذا
التعريف أن الاستثمار الأجنبي يتميز بطابع مزدوج.
الأول:
وجود نشاط اقتصادي يزاوله المستثمر الأجنبي في البلد المضيف،
الثاني:
ملكيته الكلية أو الجزئية للمشروع.
أما Bernard Hagonnier
فقد عرفه بأنه هو "استثمار تقوم به شركات غير مقيمة في البلد المضيف أو شركات
مقيمة لكنها ذات رقابة أجنبية من خلال:
- خلق و إنشاء أو توسعة شركات ، فروع، أو شبكات .
- المشاركة في
شركة جديدة أو موجودة تمكن المستثمر من تسيير هذه الشركة"
و الرقابة هنا تنطوي على المشاركة والسيطرةالفعالة والمحددة للشركة
الأجنبية في
اتخاذ القرارات التنفيذية، والأعمال التجارية والإدارية والاستراتيجية، في الشركة
الأجنبية.
يتضح لنا من
خلال التعريفات السابقة أن الاستثمار الأجنبي المباشر ينطوي على التملك الجزئي أو
المطلق، للطرف الأجنبي لمشروع الاستثمار مقرونا بالسيطرة والتحكم في قدرات
المشروع، الذي قد يكون مشروعا للإنتاج أو التسويق أو أي نوع آخر من النشاط
الإنتاجي أو الخدمي، ومعنى ذلك أن التملك والسيطرة على المشروع الاستثماري هما مجرد وسيلة لضمان
تحقيق الأرباح التي هي الغاية النهائية للاستثمار.
فالمستثمر الأجنبي
ينظر إلى ما يتوافر في الاقتصاديات المضيفة للاستثمار الأجنبي المباشر من مناخ
يؤمن تملكه وسيطرته على المشروع الاستثماري خاصة الجوانب القانونية والإدارية التي
تيسر إدارته للمشروع.
ثالثا: تعريف الاستثمار الأجنبي في التشريعات الوطنية
والاتفاقيات الدولية
تباينت
التشريعات الوطنية في تعريف الاستثمار الأجنبي فمنها من لم يورد تعريفا له كما
الحال بالنسبة للتشريع الأردني في قانوني ترويج الاستثمار المؤقت رقم (67) لسنة 2003، والتشريع الكندي لسنة 2
يوليوز 1980.
والتشريع التونسي من خلال مجلة تشجيع الاستثمارات، والتشريع المغربي هو
الآخر لم يتطرق لتعريف مفهوم الاستثمار الأجنبي في القانون الإطار 18-95 بمثابة
ميثاق الاستثمار.
أما بخصوص
التشريع الجزائري فاكتفى بتعريف الاستثمار بصفة عامة دون الخوض في تحديد مفهوم
الاستثمار الأجنبي من خلال المادة الثانية من قانون الاستثمار الجزائري، أما المشرع الليبي فقد
قام بتعريف رأسمال الأجنبي بدلا من الاستثمار الأجنبي، في المادة الثانية، من
القانون رقم (5) لسنة 1997.
ومن التشريعات
التي عرفت الاستثمار الأجنبي نجد التشريع السعودي الدي عرفه في المادة الأولى ،
على أنه: "....والاستثمار الأجنبي: توظيف رأس المال الأجنبي في نشاط مرخص له
بموجب هذا النظام ... ". ونفس المنحى سار عليه كل
من المشرع الكويتي، والمشرع القطري.
مما سبق يتبين
لنا أن تعريف الاستثمار ليس بالأمر الهين، ونرجع ذلك لتغير مغزاه بتبدل الزمن
والعلاقات الاجتماعية، كما أن معظم التشريعات الوطنية لا تعطي تأصيلا قانونيا
لعملية الاستثمار بل إنها تتفق بدرجة أو بأخرى، على اعتبار ما يتم توظيفه مالا
مستثمرا يسري عليه قانون الاستثمار، كما لا حظنا أن هناك خلط واضح بين مصطلحي
الاستثمار ورأس المال المستثمر، وهذا الأخير ما هو إلا المحل الذي يرد عليه
الاستثمار، لدا فإن الاستثمار يكون بمثابة الوعاء القانوني لجمع عدة أموال لغرض
تحقيق عائد اقتصادي.
رابعا: تعريف
الاستثمار الأجنبي في الاتفاقيات الدولية (الثنائية والجماعية)
لقد نهجت
الاتفاقيات الجماعية والثنائية التي أبرمت في حقل الاستثمار سبلا مختلفة في
تعريفه، نوجز بعضها كالآتي:
عرفته اتفاقية
التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار المبرمة بين الأردن والولايات المتحدة
الأمريكية، في المادة الأولى: "د-استثمار عائدة لمواطن لشركة يعني كافة أنواع
الاستثمارات المملوكة أو المسيطر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل ذلك
المواطن أو تلك الشركة و يشمل الاستثمار الذي يتكون منه الشكل الآتي:
1)
شركة
2)
الحصص والأسهم أو الأشكال الأخرى
من المشاركة في رأس المال فضلا عن السندات والقروض والأشكال الأخرى من حقوق ديون
شركة ما.
3)
الحقوق التعاقدية، مثل عقود تسلم
المفتاح، وعقود المقاولة أو العقود الأخرى المشابهة.
4)
الأموال المادية تشمل العقارات
والأحوال غير المادية. ..."
أما بخصوص
الاتفاقيات الجماعية فنجدها تتوسع في مفهوم الاستثمار الأجنبي ومنها على سبيل
المثال، اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية
إذ عرفت الاستثمار بأن: "الاستثمارات أو المال المستثمر" في هذه
الاتفاقية, كافة أنواع الأصول المستثمرة والتي تتعلق بالأنشطة الاقتصادية, ويقوم
بها مستثمر تابع لإحدى الدول العربية المتعاقدة في أراضي دولة متعاقدة أخرى, والتي
تقام وفقا للقوانين والأنظمة الخاصة بالدولة المتعاقدة الأخرى, ويشمل على وجه
الخصوص - وليس على سبيل الحصر - ما يلى:
(أ) الأموال المنقولة وغير المنقولة, وكذلك أية
حقوق عينية أخرى مثل الرهونات وضمان الدين وامتيازات الدين وكافة الحقوق المماثلة.
(ب) الحصص
والأسهم والسندات الخاصة بالشركات أو أي شكل من أشكال المشاركة فيها.
(ج) المطالبات
بأموال أو أي أداء له قيمه مالية ومتعلق باستثمار.
(د) حقوق
الملكية الفكرية وتتضمن حقوق النشر والعلامات التجارية وبراءات الاختراع
والتصميمات الصناعية والعمليات الفنية والخبرة الفنية والأسرار التجارية والأسماء
التجارية والسمعة التجارية التي تتعلق بالاستثمارات, وغيرها من الحقوق
المماثلة........." [24].
ما نلاحظه من
خلال هذه الاتفاقيات أنها تتعرض لعناصر الاستثمار أكثر مما تتعرض لمفهومه وهو ما
نجده في اغلب الاتفاقيات بحيث نجدها تقوم بتعداد لقوائم من الأموال والحقوق تتفق
بشأنها الدول الموقعة عليها.
الفقرة الثانية: تعريف مناخ الاستثمار.
يعتبر المناخ
الاستثماري نتاج تفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على
ثقة المستثمر وتعمل على تشجيعه وتحفيزه إلى استثمار أمواله في دولة ما دون أخرى، إلا
أن نصيب كل دولة من الاستثمارات يعتمد على عوامل كثيرة أهمها المناخ الاستثماري
للدولة الجاذبة للاستثمارات والتحفيزات المقدمة للمستثمرين سواء كانوا وطنيين أو أجانب،
ذلك أن المستثمرين الوطنيين أو الأجانب لا يقررون توطين استثماراتهم في منطقة إلا
بعد فحص دقيق للشروط العامة للمناخ الاستثماري للبلد الذي يرغبون الاستثمار فيه.
فيقصد بمناخ
الاستثمار: "مجمل الأوضاع والظروف المؤثرة في تدفق رأس المال وتوظيفه، فالوضع
السياسي للدول ومدى ما يتسم به من استقرار، بتنظيماتها الإدارية، وما يتميز به من
فاعلية وكفاءة، ونظامه القانوني، ومدى وضوحه وثباته وتوازنه وما ينطوي عليه من
حقوق وأعباء، وسياسات الدول الاقتصادية وإجراءاتها، وطبيعة السوق وآلياته
وإمكانياته من بنى تحتية وعناصر الإنتاج، وما تتميز به الدول من خصائص جغرافية،
وديموغرافية.
كما يعرف مناخ
الاستثمار بأنه "مجمل الأوضاع القانونية والاقتصادية، والسياسية والاجتماعية
التي تكون البيئة الاستثمارية التي على أساسها يتم اتخاذ قرار الاستثمار.".
كما ينصرف
تعبير مناخ الاستثمار على مجمل الأوضاع والظروف المكونة للمحيط الذي تتم فيه
العملية الاستثمارية، وتأثير تلك الأوضاع والظروف سلبا أوإيجابا على فرص نجاح
المشروعات الاستثمارية، وبالتالي على حركة واتجاهات الاستثمارات، وهي تشمل الأوضاع
والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، كما تشمل الأوضاع القانونية
والتنظيمات الإدارية.
أما المؤسسة
العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، فقد عرفت مناخ الاستثمار على انه مجمل
الأوضاع والظروف الاقتصادية، والاجتماعية، السياسية والمؤسسية والقانونية التي
يمكن أن تؤثر على قرار الاستثمار وعلى فرص نجاح المشروع الاستثماري في دولة ما أو
قطاع معين وتعد هذه الأوضاع والظروف عناصر متداخلة تؤثر وتتأثر ببعضها البعض، ومعظمها عناصر متغيرة يخلق تفاعلها أوضاعا
جديدة بمعطيات مختلفة وتترجم محصلتها كعوامل جاذبة أو طاردة لرأس المال.".
أما البنك
الدولي في تقريره عن التنمية، فقد عرف مناخ الاستثمار بأنه
"مجموعة العوامل الخاصة التي تحدد شكل الفرص والحوافز الاستثمارية التي تتيح
للمؤسسات الاستثمارية بطريقة منتجة وتحقق فرص العمل، وتخفض تكاليف مزاولة
الأعمال".
إذ فمناخ
الاستثمار هو نتاج تفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على
ثقة المستثمر وتعمل على تشجيعه وتحفيزه إلى استثمار أمواله في دولة ما دون الأخرى.
يتضح لنا من
خلال التعاريف السابقة أن مناخ الاستثمار يشمل بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية
الكلية ( المالية، النقدية و التجارية)، سياسات الاستثمار المختلفة ، بحيث يمتد مضمونه ليشمل الأنظمة الاقتصادية،
السياسية، الاجتماعية والثقافية والقانونية، وعليه فمناخ الاستثمار يشمل عناصر
متفاعلة مع بعضها البعض لتكوين بيئة مواتية ومشجعة للاستثمار أو بيئة طاردة له.