العوامل العضوية المؤثرة في جريمة الاغتصاب
المستشار الدكتور / محمد الصعيدي
|
المستشار الدكتور / محمد الصعيدي |
تعددت النظريات في أسباب ارتكاب المجرم لجريمة الاغتصاب ، فمنهم من يعزوها إلى أسباب وراثية عائدة إلى أهل المجرم ، ومنهم من يرى أن المجرم بحكم تكوينه مصاب بعيوب وإن كان لا يخلو منها الشخص العادي إلا أنها توجد في ذلك المجرم بعدد أكبر، ومنهم من يرى أن سبب ارتكاب البعض لجريمة الاغتصاب هو سبب نفسي لتفريغ شحنة العدوان وإحساس المعتدي بالدونية والذنب . لذلك سوف نتناول هذه الأسباب في ثلاثة فروع وكما يأتي :ـ
الفرع الأول : الأسباب العضوية
يرى أصحاب احد النظريات الذي يحصر أحد الأسباب بالأسباب الوراثية العائدة إلى أهل المجرم أن « الانحراف في المزاج أو العصبية لدى والديه أو أجداده أو التكوين الجسماني المميز بصفات يعتبرها علماء الأنثروبولوجيا صفات خطيرة تدفع بالإنسان دفعاً إلى الجريمة بلا إرادة حقيقية منه نحو ارتكاب الفعل» .
فالطبيب النفسي الإيطالي لومبروزو رأى نتيجة أبحاثه على أفراد الجيش الإيطالي أن الصفات التي يتميز بها مرتكب الاغتصاب عن غيره هي :ـ
· طول الأذنين .
· الجمجمة المبططة .
· الأنف المبططة أو الفطساء .
· العيون المسحوبة والمقربة من بعض .
· الطول المبالغ فيه للذقن .
أما نظرية إرنست هوتون فتمثل المدرسة الوصفية الأمريكية التي عملت على بعث الاعتقاد من جديد في فكرة المجرم العضوي ذات العلاقة المباشرة بالوراثة والسلالة على غرار المذهب اللومبروزي ، وجاء في نتائج تحليلات هذا العالم فيما يتعلق بالشكل الخارجي للمجرمين بأن :ـ
«1- الطوال ،نحيلو البنية ،يميلون إلى ارتكاب جرائم القتل ، بالإضافة إلى جرائم التزييف والتزوير والسرقة المسلحة .
2- صغار الحجم ،يغلب عليهم ارتكاب جرائم السرقة .
3- القصار ،مليئو البنية ،يغلب عليهم ارتكاب جرائم الاعتداء الجسدي والجنسي، وغير ذلك من الجرائم اللا أخلاقية .
4- الأشخاص ذوو الأوصاف العضوية غير المتناسقة والتي لا تقع ضمن ما ذكر أعلاه ، أو أولئك الذين يتصفون ببنية جسدية هزيلة ،غالباً ما يترددون على ارتكاب مختلف الجرائم دون تخصيص».
الفرع الثاني : الأمراض العضوية
لاحظ العالم دي توليو أن المجرم بحكم تكوينه مصاب بعيوب فيها وإن كان لا يخلو منها الشخص العادي إلا أنها توجد في ذلك المجرم بعدد أكبر …في إفرازات الغدد الداخلية ، وخلل في الجهاز الدموي أو البولي ، « وقد دلت أبحاث العالم فرويك على أن السل من المثيرات غير الطبيعية للغزيرة الجنسية ، وما يقال عن السل من حيث تيسير الجريمة يصدق كذلك على الزهري والتيفوئيد والملاريا والأنفلونزا ، على أن هذه الأمراض لا تكون بمفردها سبباً للإجرام ولا تبدو أهميتها إلا حين تصبح عوامل موقظة منبهة لمفعول ما يكون لدى المريض أصلا من استعداد إجرام » .
وبينت بعض الأبحاث التي أجريت على بعض مجرمي الاغتصاب« أن المعتدي يتمتع بدرجة من الذكاء والعلم أقل من العامة ، إذ إنه كلما كانت درجة الإدراك ،أي الذكاء ،عالية من التربية والتعليم ،فازدادت قدرته على ضبط انفعالاته وشهواته ...وبالعكس كلما قلّ ذكاؤه ازداد سلطان الانفعالات والشهوات وتأثيرها في أفعال الفرد».
الأسباب الجنسية :
دلت الأبحاث على أن جريمة الاغتصاب ليست جريمة جنسية بل إنها جريمة عنف ، وهي لا تنبع عن حاجة جنسية لدى المغتصب عجز عن تلبيها ، « إذ إن غالبية الرجال الذين يقومون بالاغتصاب هم في نضج جنسي حتى بالنسبة إلى الشباب بين (17ـ 18) سنة ، والأشخاص الذين تشكل جريمة الاغتصاب تجربتهم الجنسية الأولى هم نادرون ، وعلى العكس من ذلك فإن غالبية المغتصبين يعيشون حياة جنسية مليئة» .
« وقد تنشأ علاقة غرامية بين فتى وفتاة ثم تتطور بينهما إلى إشباع رغبة جنسية وتجنباً لإزالة بكارة الفتاة وما قد يجره عليها ذلك من حمل وربما فضيحة ونحوها إذا شعر بها أحد من الناس وسمحت هي لعشيقها أن يواقعها من فرجها ودفعاً لهذه المغامرة الخطرة تتفق مع عشيقها وتسمح له بملاوطتها من الخلف وإذا تكرر الفعل أكثر من مرة فربما يعتاد كل منهما فعل اللواطة ويصبح بمرور الأيام مدمناً على ممارسة هذا الفعل الذي يمجه ويعافه كل ذي خلق وكل ذي ذوق سليم » .
الأسباب النفسية :
تتعدد الأسباب النفسية وراء ارتكاب جريمة الاغتصاب ، ومن هذه الأسباب : تفريغ شحنة العدوان ، السيكوباتية ، السادية ، وإحساس المعتدي بالدونية والذنب .
أولا : تفريغ شحنة العدوان
أكد علماء النفس أن أحاسيس العنف والكره هما السببان الأساسيان وراء الاغتصاب ، ويلعب الغضب دوراً فعالاً في الانتقال إلى الفعل العدواني فيصبح الجنس وسيلة للتعبير وللتخلص من مشاعر الغضب المكبوت ، والاغتصاب في هذه الحالة يكون ناشئا « عن وجود رغبة لدى الجاني في الانتقام أو الثأر من تجربة سيئة خاضها على أيدي آخرين أكثر مما يسعى إلى الإشباع الجنسي ، إنه يسعى إلى إيلام وعقاب وإذلال ضحيته ، ويتخذ من الجنس سلاحاً لبلوغ هذه الغاية ».
ثانياً : السيكوباتية
توصف السيكوباتية بأنها حالة التخلف النفسي « وهي تنجم عن تخلف روحي عريق في تطور الحاسة الخلقية التي ينبغي أن تتطور عند الأشخاص الأسوياء بمقدار تطور الوعي».
ويتصف السيكوباتي بصفات خاصة تميزه عن الإنسان السوي ومن هذه الصفات :
1- عدم الاستقرار في حياته العملية ، المهنية والعاطفية ،فهو « لا يستطيع أن يثبت بشكل دائم ونهائي ،فهو يغير بانتظام مهنته ، اهتماماته ، مسكنه ،علاقاته الاجتماعية والعاطفية».
2- عجز كبير عن ضبط تصرفاته نتيجة لانتفاء الذات العليا ، لذلك يتمتع السيكوباتي « بشخصية قاسية هجومية ميالة إلى الانتقام وإلى الإضرار بالآخرين وإلى استغلالهم». ويبرز السيكوباتي اتجاهه إلى العنف بأنه« مدفوع دون سبب ، وبشكل محرض لإرتكاب فعل العنف ، وهذا العنف قد يكون في بعض الحالات عنفاً جنسياً، فهو يرتكب الشناعات الجنسية حيث يجد في السادية اللواط والجنس الجماعي مكانه المفضل
ثالثاً: السادية
ترتكز فكرة السادية على تحقير الآخرين وإذلالهم في سبيل إعلاء شأن الذات وهي « انحراف جنسي ...يكون فيه إيلام الطرف الآخر مثيراً للرغبة والمتعة الجنسية».
والواقع إن السادي يحاول من وراء تصرفه أن يشبع حاجتين :
1- الإحساس بالقبول الجنسي ، إذ إن « الإنسان السادي لا يعتقد أنه مقبول جنسياً بصورته الطبيعية ، إنه يفتقر إلى الحب ...فيلجأ إلى سلب إرادة الطرف الآخر قبل الممارسة الجنسية معه ».
2- الإحساس بالسيطرة على الطرف الآخر ، لذلك « يلاحظ أن الرجل السادي برغم تصرفاته العدوانية نحو المرأة التي يحبها ويرغبها يستمتع فعلا بإذلالها .. وذلك لأن رغبته الفعلية ليست إيلام الطرف الآخر فقط ، بقدر شعوره الذاتي بسيطرته»
رابعاً : إحساس المغتصِب بالدونية
يسعى المغتصِب من وراء اغتصابه إلى القضاء على إحساسه بالدونية وبأن غيره أفضل منه ، وإلى الإحساس بأنه إنسان له قيمة وتقدير . ويمكن تفسير الحالة المزاجية للمغتصب بأنها إحساس بعدم الرضا عن حياته ككل ، والأشخاص الذين يشعرون بهذه الأحاسيس هم أشخاص غير مقتنعين بقَدَرَهم أو بظروفهم .
فضلا عن ذلك فإن إحساس المغتصب بالانعزال عن الآخرين يؤدي إلى شعوره بالفراغ والخواء ، فيحاول البحث عن إشباع قليل أو يبحث عن معنى لوجوده ، لذلك يلاحظ أن حياته تخلو من المرح والسعادة ومن الدفء ، كما أن حالته المزاجية تتميز بالقلق والإحباط والاستياء .
خامسا : إحساس المغتصِب بالذنب
يعتبر علماء النفس أن الإحساس بالذنب شعور يلازم المجرم عند وبعد الاعتداء ، إلا أن « درجة إحساسه بالذنب تعود إلى وضع مستواه العقلي ،فهناك بعض منهم يشعرون بالذنب ولكنهم يعجزون عن المقاومة ... أما الذين لا يشعرون بالذنب فهم إما متخلفون عقلياً أو رجال يعانون من عقدة نقص تجاه سلالتهم أو نقص في ثقافتهم ».