كود ذكر المصدر

الراديو

...

كود مشاركة المواضيع في الفيس وتويتر

اخر الاخبار

اترك رسالتك

تحديث

.

.

.

.

التحكيم الاسلامي خارج ديار المسلمين | المستشار الدكتور هشام بن عبد الملك بن اسعد خان


                                                             

التحكيم الاسلامي
خارج ديار المسلمين

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏نظارة‏‏‏



اعداد المستشار الدكتور
هشام بن عبد الملك بن اسعد خان
أمين عام اللجنة الثقافية بنادي قضاة التحكيم الدولي 
سفير التنمية القانونية بالليديك



         

المبحث الأول: التعريف بالتحكيم

     التحكيم في اللغة مصدر ٌ للفعل (حكم) بمعنى قضى ، والحُكم: القضاء . ويقال: حكم بينهم يحكُم بالضم حُكما و حكم له وحكم عليه. و حكّمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليه الحكم فيه فاحتكم عليه في ذلك. واحتكموا إلى الحاكم و تحاكموا بمعنى، والمحاكمة: المخاصمة إلى الحاكم

     وبذلك يظهر أن التحكيم لا يختلف عن القضاء في المعنى اللغوي، فالمحكّم قاض ٍ والقاضي محكّم. وليس الأمر كذلك في الاصطلاح إذ يفترقان:
    قال صاحب البحر الرائق (وَأَمَّا في الِاصْطِلَاحِ: فَهُوَ تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا)وفي مجلة الأحكام العدلية (التحكيم هو عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما  برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما) فهو عند الفقهاء دون مرتبة القضاء إذ يتولى طلبه من الغير الخصوم أنفسهم وليس السلطان أو من يقوم مقامه من أصحاب الولاية على الناس كما هو الحال في القضاء.
    وقد نحى القانون المدنيّ والتجاري ّ منحى الفقه في تعريف التّحكيم فعرّفه- مثلاً- بقوله ( هو نظام لتسوية المنازعات عن طريق أفراد عاديين يختارهم الخصوم إما مباشرة أو عن طريق وسيلة أخرى يرتضونها. أو هو مكنة أطراف النزاع بإقصاء منازعتهم عن الخضوع لقضاء المحاكم المخول لها طبق القانون، كيما تُحل عن طريق أشخاص يختارونهم)وسيأخذ هذا البحث بالتعريف الفقهيّ والقانونيّ للتحكيم.

    ويشترك التحكيم مع بقية وسائل فضّ النّزاعات بين الناس في بعض الأمور ويفترق في بعضها الآخر، ولذلك لا بد من بيان أوجه الاتفاق والاختلاف حتى تتمايز الأشياء ويستطيع أهل العلم بيان أحكام (التّحكيم)، فإن الحُكم على الشيء فرع ٌ عن تصوّره.وفي المطالب التالية بيان ذلك:


المطلب الأول : التحكيم والقضاء

       التحكيم شعبة ٌ من شعب القضاء. قال صاحب تبصرة الأحكام  (وأما ولاية التحكيم بين الخصمين فهي ولاية مستفادة من آحاد الناس وهي شعبة من القضاء متعلقة بالأموال دون الحدود واللعان والقصاص) ، ولذلك يذكره الفقهاء عادة ً في باب القضاء، فكل ٌ من المحكّم والقاضي يستمدّ سلطته ممن ولّاه، فالقاضي يعيّنه الإمام والمحكّم يعيّنه الخصوم، وينعزل كلٌ منهما إذا عزله من ولّاه، والحُكمُ الصادرعن كلٍ منهما حكمٌ شرعيّ متى كان صحيحاً مستوفياً لشروطه.
   قال ابن النقيب الشافعيّ جامعاً لهذه الأحكام (ويجوز في بلدٍ قاضيان فأكثر،ولا يصحّ إلا بتولية الإمام له أو نائبه ، وإن حكّم الخصمان رجلاً يصلح للقضاء جاز ولزم حكمه وإن لم يتراضيا به بعد الحكم، لكن إن رجع فيه أحدهما قبل أن يحكم امتنع الحكم).
      وبذلك أخذت مجلة الأحكام العدلية فنصّت في مادّتها رقم 1448 بالقول (كما أن حكم القضاة لازم الإجراء في حق جميع الأهالي الذين في داخل قضائهم، كذلك حكم المحكّمين لازم الإجراء على الوجه المذكور في حق من حكّمهم وفي الخصوص الذي حكموا به ، فلذلك ليس لأي واحد من الطرفين الامتناع عن قبول حكم المحكّمين بعد حكم المحكّمين حكماً موافقاً لأصوله المشروعة)

    ويظهر أيضاً مما سبق من أقوال أهل العلم بعض الفروق : ففي التحكيم يجب رضا الخصمين بالمحكّم، ولا تجب إجابة الخصم للتحكيم أمام شخص ٍ بعينه إلا إذا تعيّن، ويجوز الرّجوع من أحد الطرفين قبل الحُكم، وتنحصر صلاحية المحكّم فيما حكّمه فيه الخصمان فقط فليست له سلطة ٌ على غيرهما حتى وإن كان ذلك من مستلزمات قضائه بينهما، وليس له النّظر في قضايا الحدود والقصاص واللعان، وسيأتي بيان ذلك تفصيلاً في المبحث الثالث إن شاء الله.
   وأخيراً فإن (التحكيم أوسع من القضاء في الاختصاص المكاني ، فالتحكيم يصح بين الطرفين ، ولو اختلفت أمكنتهم ، أما قضاء القاضي فمقيد بالنظر وفق الاختصاص المكاني.وبالتالي يجوز للحكم أن ينظر في قضية برضى الطرفين ولو كان المدعى عليه لا يقيم في بلد التحكيم)
    
المطلب الثاني: التحكيم والإفتاء

     كلٌ من التحكيم والإفتاء بيانٌ لحكم الشرع في واقعة ٍبعينها، لكنّ التحكيم  بيان ٌ مع الإلزام والسلطة، والإفتاء بيانٌ بغير إلزامٍ ولا سلطة تنفيذ.
     ففي الفروق للقرافي مع هوامشه (الفتوى محض إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة والحكم إخبار ما له الإنشاء والإلزام أي التنفيذ والإمضاء لما كان قبل الحكم فتوى)والفتوى لا تقتصر على المستفتي وحده بل يعمل بها غيره اختيارا ً بينما التحكيم خاص ٌ بالخصوم.
   وبين التحكيم والإفتاء عموم ٌ وخصوص حيث أن (كل ما يتأتى فيه الحكم تتأتى فيه الفتوى ولا عكس، وذلك أن العبادات كلها على الإطلاق لا يدخلها الحكم ألبتة بل إنما تدخلها الفتيا فقط فكل ما وجد بها من الإخبارات فهي فتيا فقط فليس لحاكم أن يحكم أن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة)كما أن الفتوى تكون في كل أبواب الفقه والتحكيم لا يكون إلافي القضية محل النّظرإن كانت فيما يجوز فيه التحكيم أصلا ً، كما في غير
الحدود والقصاص واللعان على ما سيأتي بيانه في موضعه.

 المطلب الثالث : التحكيم والصّلح

         عرّفت المادة 1531 من مجلّة الأحكام العدلية الصّلح بأنه (عقد يرفع النّزاع بالتراضي) وفي شرح  المجلة (أي بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَيُزِيلُ الْخُصُومَةَ وَيَقْطَعُهَا بِالتَّرَاضِي. ورُكْنُهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ،وَيَنْعَقِدُ  وَيَصِحُّ بِحُصُولِ الْإِيجَابِ مِنْ طَرَفٍ وَالْقَبُولِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ)
      فيظهر من التعريف وشرحه أن الصّلح وسيلة ٌ لفضّ الخلاف، لكن الذي يتولى ذلك هو الخصوم أنفسهم في الأعمّ الأغلب،ويكون ذلك بتنازل كلّ طرفٍ عن جزءٍ من حقّه طوعاً لا كرهاً إلى أن يصل الطرفان إلى حلّ وسطٍ فيتّفقان عليه.  ولا يمنع ذلك وجود طرفٍ ثالثٍ ، فقد قال تعالى موجهاً في مسألة حلّ الخلافات الزوجية (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)

  وبالمقارنة مع التحكيم:فإن كلا ً منهما وسيلة ٌ لفضّ النزاع بعيدا ً عن القضاء الرّسمي، إلا أن التحكيم فيه صفة الإلزام من المحكّم والصّلح لا إلزام فيه،ويترتّب على ذلك غالباً رضى الطرفين في الصلح وعدم رضاهما- أوأحدهما على الأقل- في التحكيم. والصلح فيه تنازل اختياريٌ عن بعض الحقوق المدّعاة من الخصوم، والتحكيم لا يستوجب ذلك بل قد يستأثر أحد الخصوم بالحق كلّه عند الحكم له.


المطلب الرابع: التحكيم والوكالة

   تعرّف الوكالة بأنها (إقامة الإنسان غيره مقام نفسه في تصرف معلوم) وتوسّعت مجلة الأحكام مع شرحها في تعريف الوكالة فنصّت على أنها ( تَفْوِيضُ أَحَدٍ فِي شُغْلٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَعَ بَقَاءِ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ فِيهِ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ وَمُقْتَدِرًا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ وَأَصْلُ التَّصَرُّفِ وَإِقَامَتُهُ فِي ذَلِكَ الشُّغْلِ مَقَامَ نَفْسِهِ)
     فالتفويض الذي هو مقتضى الوكالة يوجب أن يعمل الوكيل لما فيه مصلحة الموكّل وأن ينوب عنه في تحصيل ما يدّعيه من الحقّ أمام خصمه ولا يتصرّف إلا بإذنه وأمره،لا أن يُخضع الموكّل للتحقيق والحكم على موقفه صحة ً وخطأ ً كما هو الحال في التحكيم، فالفرق بينهما كالفرق بين القاضي ومحامي الدفاع حيث أن المحامي وكيلٌ بالخصومة.
      قال ابن العربي المالكي مظهراً الفرق بينهما في معرض شرحه لقوله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)ما نصّه: ( هذا نص من الله سبحانه في أنهما قاضيان لا وكيلان وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى وللحَكَمِ اسم في الشريعة ومعنى، فإذا بين الله سبحانه كل واحد منهما فلا ينبغي لشاذّ ٍ فكيف لعالم أن يركب معنى أحدهما على الآخر فذلك تلبيس وإفساد للأحكام)





المطلب الخامس: التحكيم والخبرة

       الخبير هو صاحب الاختصاص في مجال ٍمعيّن ، كأن يكون طبيباً أو تاجراً أو  محاسباً  أو غير ذلك من المهن والاختصاصات ، ومنه قوله تعالى (ولا ينبئُك مثل خبير)  ويدلي الخبير برأيه وخبرته في الوقائع محلّ النزاع إذا شقّ على المحكمة الإلمام بمسألة ٍ بعينها من الناحية الفنّية، وإذا طُلب منه ذلك فقط ، إما  من القاضي أو من أحد الخصوم، وليس لرأيه إلزام  ٌ فلا يقيّد الخصوم ولا يقيّد المحكمةٌ. ولا مانع أن يكون الخبير محكّماً إذا اتفق عليه الطرفان و كان أهلا ً للتحكيم على ما سيأتي بيانه في شروط المحكّم.
     ويظهر بذلك اتفاق التحكيم مع الخبرة  في أن كلاً من المحكّم والخبير ليسا من أعضاء الجهاز القضائي و يصدران رأياً فنّياً في قضية ٍ معيّنةٍ. ويختلفان في أن الخبير يبدي رأيه في الوقائع دون القانون فلا يحكم، والمحكّم يبدي رأيه في كليهما فيحكم بناءً على خبرته القضائية. ولا يشترط تعيين الخبير بالاسم ويشترط في المحكّم. ولا يجوز الطّعن في شهادة الخبير ويجوزأن يطعن الخصوم في حكم المحكّم.

   فخلاصة هذا المبحث أن التحكيم نظام ٌ إسلاميٌ أصيل ٌ للفصل في الخصومات يختلف عن الوكالة والخبرة، وهو فوق الصلح والإفتاء لكن دون سلطة التنفيذ، ودون القضاء لكن مع الإلزام.

     

المبحث الثاني:  مشروعيّة التحكيم

      يقصد بالمشروعية هنا الحكم التكليفيّ الذي يعرّفه الأصوليون بأنه ما اقتضى طلب فعل ٍ من المكلّف أو كفّه عن فعلٍ أو تخييره بين الفعل والكفّ، وهو الذي سمّاه  القرافي خطاب التكليف بقوله (خطاب التكليف في اصطلاح العلماء هو الأحكام الخمسة: الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة)

     والحديث عن مشروعية التحكيم هو فرعٌ عن أصلٍ وهو مكانة الحكم بالشريعة الإسلامية من الدّين ابتداءً، ويتبع ذلك بيان حكم اللجوء للفرع وهو التحكيم مع وجود الأصل وهو القضاء  الإسلاميّ ومع عدم وجوده كما هو حال الجاليات المسلمة في هذه البلاد وخارج ديار الإسلام عموماً، وحكم رفض أحد الخصوم لمبدأ التحكيم أوالمرشّح للتحكيم ، وإرغام الخصم على المثول أمام القضاء غير الإسلامي، ثم حكم اللجوء للقضاء غير الإسلامي إذا تعيّن سبيلاً وحيداً للعدل وردّ المظالم. وفيما يلي بيان ذلك موجزاً:

المطلب الأول: الحكم بالشريعة الإسلامية

     الإسلام نظامٌ إلهي يُصلِح للبشر دينهم ودنياهم وآخرتهم، فيه أحكامٌ للعبادات والمعاملات والعقوبات والأحوال الشخصية والعلاقات الدولية. ولا يُعدّ المرء مسلماً إلا إذا استسلم لله بالتوحيد وأقرّ له بالحاكميّة- عزّ وجل-  وانقاد له بالطاعة في كل شأن ٍ من شؤون حياته، وما سوى ذلك فليس من الإسلام في شيءٍ حتى وإن زعم المرء أنّه مسلم. ويستوي في ذلك الحاكم والمحكوم، فيُطلب من الحاكم أن يحكُم بشرع الله في كل شأنه لا يجاوزه قيد أنملةٍ، ويُطلب من المحكوم أن يحتكم إلى الشرع بقبولٍ وتسليمٍ.
قال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليماً)
   قال الجصّاص في شرح الآية الكريمة  (وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم )
     وبمثل ذلك قال  ابن كثير في بيان معنى قوله تعالى ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون)فقال رحمه الله (ينكر تعالى على من خرج عن حكم

الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات بما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية .... فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير)

     بل ينقل شيخ الإسلام ابن تيمية اتفاق أهل العلم على كفرمن استبدل الشرع الحنيف بغيره فيقول (والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء). وفي موضع ٍ آخر من الفتاوى يوضّح أن تبديل الشّرع لا يكون بالتكذيب فقط ، بل المعاداة وردّ الدين كفرٌ ايضاً حتى وإن زعم صاحبه الإيمان والتّصديق، فيقول (والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك لكان كفره أعظم)
   وعليه، فإن الحكم بالشريعة للحاكم والاحتكام للشرع  للمحكوم أصلٌ عظيم ٌ من أصول الدّين لا يسع المسلم الانفكاك عنه فوق كل أرض ٍ وتحت كل سماءٍ، لا يصحّ إيمانه بغيره إلا بعارض ٍ معتبر ٍشرعاً كالإكراه والجهل والتأويل، وبشروطٍ ينبغي توافرها في كل عارض، وقد ذكرها أهل العلم تفصيلاً ممّا لا يتّسع المقام لبسطه.

المطلب الثاني: اللجوء للتحكيم مع وجود القضاء الشرعي

    يكاد الإجماع ينعقد على مشروعية التحكيم وإباحته في الجملة من كثرة النّقول الواردة في كتب المذاهب المتبوعة الدّالّة على ذلك، ومن اعترض من أهل العلم فاعتراضه ليس على أصل مشروعية التحكيم وإنما على ما ينبغي تحقّقه من الضوابط لإباحة التحكيم كاشتراط أهلية الحكم وعدم وجود قاض ٍبالبلد خشية منافسة التحكيم للقضاء.
   قال النّووي رحمه الله شارحاً لحديث نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ ومقرّراً  الإجماع الآنف ذكره (فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهماتهم العظام ، وقد أجمع العلماء عليه ولم يخالف فيه إلا الخوارج، فإنهم أنكروا على عليّ التحكيم وأقام الحجة عليهم ...... وإذا حكم بشيء لزم حكمه ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه ولهم الرجوع قبل الحكم )

    
 وفيما يلي مثالان من أقوال فقهاء كل مذهبٍ من المذاهب الأربعة المتبوعة:

    قال السرخسي من الحنفية (الأصل في جواز التحكيم قوله تعالى " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"  والصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على جواز التحكيم)


  وقال ابن عابدين في حاشيته (حكم المحكّم كالقضاء على الصحيح.......ولا يُفتى به لئلا يتطرّق الجهّال إلى هدم المذهب)

  ومن المالكية قال صاحب منح الجليل (تحكيم الخصمين غيرهما جائز كما يجوز أن يستفتيا فقيها يعملان بفتواه في قضيتهما) وقول الدّسوقي (كُلَّ ما لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فيه وكان الْحُكْمُ فيه مُخْتَصًّا بِالْقُضَاةِ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَحَكَمَ فيه الْمُحَكَّمُ وكان حُكْمُهُ صَوَابًا فإنه يَمْضِي وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْضُهُ وَأَمَّا ما هو مُخْتَصٌّ بِالسُّلْطَانِ كالاقطاعات فَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ فيه غَيْرُ مَاضٍ قَطْعًا)

  وفي المذهب الشافعيّ ، قال الشربيني (ويمضي حكم المحكم كالقاضي ولا يُنقض حكمه إلا بما ينقض به قضاء غيره) وكذلك قال الرّملي في معرض حديثه عن وجوب الوليّ في عقد النكاح (ولا يختص ذلك بفقد الحاكم بل يجوز مع وجوده سفرا أو حضرا بناء على الصحيح في جواز التحكيم)

     وكذلك الأمر عند الحنابلة، فقد قال ابن قدامة (فإن تحاكم رجلان إلى من يصلح للقضاء فحكّماه ليحكم بينهما جاز)وذكر صاحب كشاف القناع- وهو كتابٌ معتمد ٌ في المذهب- ماهو أكثر من ذلك فقال (وإن تحاكم شخصان إلى رجل للقضاء بينهما فحكم نفذ حكمه في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض)

    فيظهر ممّا سبق أن لا خلاف يُعتبر في مشروعية التحكيم وجوازه، وقد استدل أهل العلم بأدلة ٍ كثيرة ٍ على هذا الجواز، كقوله تعالى (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)، وكتحكيم النبيّ صلى الله عليه وسلّم لسعدٍ رضي الله عنه في حادثة بني قريظة، وكذلك التحكيم الذي وقع بين الإمام عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، و ليس هذا مقام بسط هذه الأدلة.

     كما ويلاحظ من تاريخ وفاة العلماء الأجلّاء الذين أُخذَت من كتبهم النّقول السابقة أنّ الفقه الذي ذهبوا إليه كان في زمان ومكان الخلافة الإسلامية أو-على الأقل- في ظل حكوماتٍ تأخذ على عاتقها الحكم بالشّرع وحمل الناس على الالتزام به ، فالقضاء الشرعيّ كان منصوباً كي لا يسمح لأحدٍ أن يفتات على السلطان أوينتقص من سيادته،ومن حكّم أو احتكم خارج نطاق القضاء الرّسمي فقد فعل ذلك  بإذن السلطان ورضاه ، فيستساغ القول- والحالة هذه-  أن التحكيم خارج دائرة نظام القضاء الرّسميّ مباحٌ شرعاً وليس واجباً. 

  
المطلب الثالث: اللجوء للتحكيم مع عدم وجود القضاء الشرعي

      القول بإباحة التحكيم  في المطلب السابق حكم ٌ له مناط، ومناطه هو وجود القضاء الشّرعي الرّسميّ الذي تتبنّاه الدولة وتشرف عليه، فما دام القضاء الشّرعيّ منصوباً فإن من يلجأ من الخصوم للقضاء أويلجأ لمحكّم يحكُم ُبشرع الله فقد احتكم إلى الشرع وبرأت ذمّته بذلك. ولكن ما الحكم إذا لم يكن هناك قضاء ٌ شرعيّ ؟


   إن إجابة هذا السؤال هو ما يجب أن يستفيض به البيان للمسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام ممّن ليس لهم إلا خياران: القضاء غير الإسلاميّ أو التحكيم الإسلامي، بل حتّى للمسلمين المقيمين في العالم الإسلامي وتحكمهم أنظمة ً علمانيّة لا تقيم للشريعة وزناً، فإن هؤلاء ينطبق عليهم ما ينطبق على سابقيهم من عدم وجود قضاءٍ إسلاميّ يحتكمون إليه.

     قال الإمام القرافيّ مقرّراً أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد (...فإن القاعدة الشرعية أن وجوب الوسائل تبع لوجوب المقاصد ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)بمعنى أنّه متى كان المقصد واجباً كانت الوسيلة لهذا المقصد واجبة ً أيضاً.

     وفي مسألتنا هذه، إذا كان الاحتكام للشرع واجبٌ وأصلٌ عظيمٌ من أصول الّدين كما سبق،أو (مقصد ٌ) على حدّ عبارة القرافيّ، وكان تطبيق هذا الأصل لا يتمّ خارج ديار الإسلام إلا بالتحكيم، فالتحكيم (وسيلةٌ) لهذا المقصد، وهو واجبٌ شرعاً،لأن مالا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب .

   وقد صرّح بهذا الوجوب عددٌ من علماء السّلف عبر القرون، فمن علماء القرن الخامس نذكر قول الإمام الجويني في كتابه الشهير (غياث الأمم). قال-رحمه الله- في معرض حديثه عن خلوّ الزمان عن السلطان وما الذي يجب على النّاس فعله للحكم بالشّرع (فإذا خلى الزمان عن السلطان وجب البدار على حسب الإمكان إلى درء البوائق عن أهل الإيمان..... فإن ما يتولاه السلطان من أمور السياسة أوقع وأنجح وأدفع للتنافس وأجمع لشتات الرأي في تمليك الرعايا أمور الدماء)
     فهو يقرّر وجوب قيام الناس بتنصيب قاض ٍ بحسب إمكانهم وأن ذلك أدفع لمفسدة تولّي آحاد الناس تطبيق الأحكام السلطانيّة ، خاصّة ً ماله علاقة ٌ بالدماء كالحدود والقصاص. ولازم كلامه-رحمه الله- أنه إن كانت تولية محكّم ٍ هو غاية ما يستطيعون فيجب عليهم ذلك.

    ومن علماء القرن السابع قول السّيواسي (وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار كقرطبة في بلاد المغرب الآن وبلنسية وبلاد الحبشة وأقروا المسلمين عندهم على مال يؤخذ منهم يجب عليهم أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولّي قاضيا أو يكون هو الذي يقضي بينهم...

  ومن القرن الثالث عشر قول ابن عابدين (وإذا لم يكن سلطان ولا من يجوز التقلد منه كما هو في بعض بلاد المسلمين غلب عليهم الكفار كقرطبة الآن يجب على المسلمين أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولي قاضيا ويكون هو الذي يقضي بينهم وكذا ينصبوا إماما يصلي بهم الجمعة)

  فيظهر من هذه النّقول أن الكلمة مجتمعة ٌ على وجوب الحكم بالشّريعة حتّى مع الإقامة خارج ديار الإسلام، وحتى عند عدم وجود السلطان أو وجود السلطان الكافر أو المعطّل لأحكام الشرع متى كان الناس قادرين على ذلك.


    إذا تقرّر ذلك، فإنّ القول بوجوب التحكيم يتفرّع عنه عددٌ من الأحكام، منها:

الفرع الأول:
     الأصل هو حرمة اللجوء للقضاء غير الإسلاميّ لغير عذر ٍمقبولٍ شرعاً متى كان التحكيم متوفّراً لأن في ذلك تركٌ للواجب، وترك الواجب ذنبٌ يستوجب العقوبة. قال الجصّاص –رحمه الله- (ترك الواجب يُستحَق به العقاب)
     كما أنّ في قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)بيانُ ذلك شافياً، فإن الله سبحانه بيّن أن التحاكم إلى الطاغوت منافٍ للإيمان لأن الزّعم كُنية الكذب كما يُقال.
      قال الشاطبيّ- رحمه الله- في بيان هذه الاية (فكأن هؤلاء قد أقروا بالتحكيم غيرأنهم أرادوا أن يكون التحكيم على وفق أغراضهم زيغا عن الحق وظنا منهم أن الجميع حُكم ٌ.....وجهلوا أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم هو حكم الله الذي لا يرد وأن حكم غيره مردودٌ إن لم يكن جارياً على حكم الله)


الفرع الثاني:
    لا يجوز للمسلم أن يرفض التحكيم بغيرعذرٍ مشروع ٍ متى دُعي إليه وتعيّن وسيلة ً لفضّ النزاع،وسواءً علم أنّ الحقّ له أو عليه أو لم يعلم ذلك البتّه.
    قال تعالى (وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون........إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)

     قال ابن تيمية- رحمه الله-  في بيان ما يستنبط من الآية (فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا فبين أن هذا من لوازم الإيمان)

الفرع الثالث:
لا يأثم المسلم إذا أُلجئ إلى القضاء إلجاءاً من قِبلِ خصمه مع عدم رضاه بذلك لأن هذا من الإكراه المعفوّ عنه شرعاً. قال تعالى رافعاً الإثم عن المكره ( إلا من أكره وقلبه مطمئن ٌ بالإيمان) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله وضع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، والأمر بالمثول أمام القضاء إكراه ٌ لما يترتّب على مخالفته من عواقب وخيمة ٍ.
     قال الشيرازي-رحمه الله- في المهذّب شارحاً حديث الإكراه السابق: (ولا يصير مكرها إلا بثلاثة شروط ، أحدها أن يكون المكرٍه قاهراً له لا يقدر على دفعه ، والثاني أن يغلب على ظنه أن الذي يخافه من جهته يقع به ، والثالث أن يكون ما يهدده به مما يلحقه ضرر به كالقتل والقطع والضرب المبَرّح والحبس الطويل.... )

الفرع الرابع:
  كما لا يأثم المسلم إذا لجأ للقضاء غير الإسلاميّ إذا كانت الطريقة الوحيدة لضمان حقّه أو استرداده من غاصبه باعتبار ذلك من الضّرورات ، وعلى اعتبار أن الضرورة هي
 ( ما يلحق المكلّف ضررٌ بتركه ، ولا يقوم غيره مقامه)  وليس فقط (بلوغ الإنسان حدّاً إذا لم يتناول الممنوع هلك أو قارب)
   ومن صور ماسبق : أن لا يوجد تحكيمٌ إسلاميّ البتة، أو يكون المحكّم سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع التحكيم لعدم الكفاءة ، أو كان ممّن لا يُقبل تحكيمه لرحم ٍ أو مصاهرة ٍمع أحد الخصوم، أو لشبهة انتفاع المحكّم بشراكة ٍ أو مصلحةٍ ظاهرة مع أحدهما، أو لعداوة ٍ ومظنّة انتقامٍ، أو غير ذلك من الأسباب المُعتدّ بها شرعاً.

   وقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي هذا المذهب فقال ( إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلامية، يجوز احتكام الدول أو المؤسسات الإسلامية إلى محاكم دولية غير إسلامية توصلاً لما هو جائز شرعاً ) . وظاهرٌ من القرار أن الاحتكام لا يشترط أن يكون لتحصيل أمر ٍ لو فُقد لأدّى للهلاك أو لمقاربة الهلاك.
     وبمثل قول مجمع الفقه  قال المجلس الأوروبي للإفتاء ( الأصل أن يختار المسلم عند حاجته إلى تحكيم محكّمين مسلمين، أو مراكز تحكيم ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، وإذا لم يمكن ذلك فيجوز الاحتكام إلى جهات تحكيم غير إسلامية توصلا لما هو مطلوب شرعاً) 

     فخلاصة هذا المبحث أن الحكم بالشّريعة الإسلامية من لوازم الإيمان للراعي والرّعية، وأن التحكيم مباحٌ عند وجود القضاء الشّرعي، وواجبٌ بحسب الاستطاعة عند فقده، فيحرم اللجوء للقضاء غير الإسلامي مع وجود التحكيم، ويحرم رفض التحكيم بغير عذرٍ، ويُعذر المكره والذي لا يحصّل حقّه إلا بالقضاء غير الإسلاميّ.

   

المبحث الثالث: مجالات التحكيم خارج ديار الإسلام

     اتّفقت كلمة الجمهور- في الجملة -  أنّه لا يجوز التحكيم فيما كان من حقوق الله تعالى كالحدود ، ولا في القصاص، ولا فيما لا سلطة للمحكّم عليه كحقوق غير الخصوم كاللعان إذ فيه إثباتٌ أو نفيٌ لنسب الولد مع أنه ليس طرفاً في النّزاع، ولا فيما يختصّ به القضاء لأنّه من الأحكام السلطانيّة - على خلافٍ بينهم فيما يختصّ به القضاء- وخالف الحنابلة في قول ٍ منسوب ٍ للإمام أحمد- رحمه الله - فأجازوا للمحكّم ما يجوز للقاضي . 
    وما سبق هو حكم ٌ إجماليّ فقط، وإلا فبين المذاهب- بل داخل المذهب الواحد- من الخلافات والتفصيلات فيما يشمله التحكيم ما يحتاج إلى بحثٍ مستقل.

   وقد وضع فقهاء المذاهب المتبوعة ضوابط  لما يجوز فيه التحكيم ومثّلوا لذلك ، وفيما يلي مثال ٌ واحد ٌ من كل مذهب:

    قال النابلسيّ –رحمه الله- من الحنفية ( وَيَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَمْلِكَانِ فِعْلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَمْلِكَانِ  وَهُوَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى)

     ثم استطرد مفصّلاً فقال (حَتَّى يَجُوزَ التَّحْكِيمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْقِصَاصِ وَتَضْمِينِ السَّرِقَةِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ تَفْوِيضٌ وَالتَّفْوِيضُ يَصِحُّ بِمَا يَمْلِكُ الْمُفَوِّضُ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَمْلِكُ كَالتَّوْكِيل .
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ : وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ ، فَكُلُّ مَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالصُّلْحِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ ، وَمَا لَا فَلَا ، وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُمَا بِالصُّلْحِ وَبِعَقْدٍ مَا فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِمَا .
وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ تَفْوِيضٌ وَتَوْلِيَةٌ فِي حَقِّهِمَا)  ويظهر الخلاف داخل المذهب حول جواز التحكيم في القصاص.

   وقال محمد عليش -رحمه الله-  من المالكية (إنما يجوز التحكيم فيما يصح لأحدهما ترك حقه فيه)

     ثمّ شرح ما سبق فنقل عن أئمّة المذهب وسمّاهم ( اللخمي وغيره إنما يصح في الأموال وما في معناها لا يجوز التحكيم في حدٍ لقذف أو زنا أو سرقة أو سكر و لا في قتلٍ لقاتل أو تارك صلاة و لا في لعان سحنون ولا ينبغي في لعان ولا حد إنما هما لقضاة الأمصار العظام أصبغ ولا في قصاص ٍ ولا حد قذف ولا طلاق ولا عتق ولا نسب ولا ولاء لأنها للإمام و لا في ولاء بفتح الواو ممدودا على عتيق و لا في نسب لأب و لا في طلاق و لا في عتق لخطر هذه المسائل وتعلق حق غير الخصمين بها إما لله تعالى كالطلاق والعتق وإما لآدمي كحق الولد في اللعان والنسب والعصبة في الولاء)

     ومن فقهاء الشافعيّة قال الشربينيّ- رحمه الله - (لا يأتي التحكيم في حدود الله تعالى إذ ليس لها طالب معين) وذكر أمثلة ً فقال (يختص جواز التحكيم  بمالٍ لأنه أخف  دون قصاصٍ ونكاحٍ ونحوهما كلعانٍ وحد قذفٍ لخطر أمرها فتناط بنظر القاضي ومنصبه)

     وأما الحنابلة الذين توسّعوا في التحكيم- على قولٍ عندهم- فقد قال ابن قدامة- رحمه الله - نقلاً عن الخطّاب (ظاهر كلام أحمد أن تحكيمه يجوز في كل ما يتحاكم فيه الخصمان قياسا على قاضي الإمام)ثمّ استدرك على كلام الإمام أحمد-رحمه الله- فقال (وقال القاضي: يجوز حكمه في الأموال خاصة فأما النكاح واللعان والقذف والقصاص فلا يجوز التحكيم فيها لأن لهذه الأحكام مزية على غيرها فاختص حاكم الإمام بالنظر فيها كالحدود)ولم يجزم بأن أيّاً من القولين هو المذهب.

     وحاصل هذه النّقول ما سبق تقريره أنهم- في الجملة- يجيزون التحكيم في الحقوق الخاصّة التي يملك الخصوم إسقاطها. أو بعبارة ابن العربي-رحمه الله- (إنّ كل حقّ اختصّ به الخصمان جاز التّحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكّم فيه)

    وقد أفتى بما سبق مجمع الفقه الإسلامي فقال ( لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى كالحدود، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم ٍ أو نفيه بالنّسبة لغير المتحاكمين ممن لا ولاية للحَكَم عليه كاللعان لتعلّق حقّ الولد به، ولا فيما ينفرد القضاء دون غيره بالنّظر فيه) .
    كما و أخذ المجلس الأوروبي للإفتاء بهذا المذهب فقال (لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتعاملين ممن لا ولاية للمحكّم عليه، ولا فيما ينفرد القضاء به دون غيره بالنظر فيه)




  هذا ما أفتت به المذاهب المتبوعة وقالت به المجامع الفقهية المعاصرة. وحول هذا الفقه عدد ٌ من الملاحظات شديدة التعلّق بحال المسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام فيما يلي ذكرها موجزاً:

الفرع الأول:
    ليس للخلافات الفقهية  فيما يجوز فيه التحكيم- ممّا سبق بيانه- عظيمُ أثر ٍ على أرض الواقع، لأن مردّ الأمر في النهاية إلى ما تسمح بالتحكيم فيه قوانينُ هذه الدول. وهذا باب ٌ واسعٌ لأهل القانون والخبرة من المسلمين أن يتعرّفوا على كل ما تجيز القوانين التحكيم فيه، فبلادٌ كالولايات المتحدة- مثلاً- قد تختلف قوانين التحكيم فيها - في الفروع وليس في الأصول- من ولاية ٍ لأخرى.

الفرع الثاني:
   بالاستقراء والخبرة، فإن معظم خلافات أبناء الجاليات المسلمة في الغرب تتمحور حول القضايا التالية:

1- المعاملات التجارية والمالية عموماً من مداينات ٍ ومشاركات ٍ وبيوع.

2- الأحوال الشخصيّة من خطبة ٍ ونكاح ٍ وفسخ ٍ وطلاق ٍ وخلع ٍ ونشوز ٍ وإيلاء ٍ وهجر ٍ وعنف ٍ أسَريّ ٍ ونفقة ٍ وسكنى وحضانة ٍ وميراثٍ ووصية ٍ.

3- الخلافات الشخصية والمشاجرات و الاتهامات ونشر الإشاعات والإساءة المعنوية للغير.

4- الأمور الأخلاقية عموماً كالخيانات الزوجية والعلاقات بين الشباب من الجنسين والشذوذ الجنسي والقذف بالزنا.  

5- الخلاف بين القائمين على العمل الإسلامي ومؤسساته، إمّا لولاءاتٍ حزبية ٍوما يتبعها من انقلابات ٍ انتخابية ٍ لإدارة هذه المؤسسات ، أو لأسبابٍ إدارية ٍوماليّة ، أو لأسباب ٍ إقليمية وعِرقيّة، أو لخلافات ٍ عقائدية ٍأو فقهية ٍ.

    فيظهر أن كثيراً من هذه الخلافات ليست من حقوق الله تعالى التي لايجوز فيها التحكيم . وعليه  فإن مساحة ما يجوز فيه التحكيم بين المسلمين في الغرب- شرعاً وقانوناً- مساحة ٌ كبيرةٌ ولله الحمد.

الفرع الثالث:
       وأمّا في حقوق الله تعالى، فهل يُستساغ القول بأنّ للمحكّم المسلم أن يُعزّر بالمال مَن زنا أو قذف أو شرب خمراً بدلاً من إقامة الحدّ عليه إن سمحت بذلك القوانين ؟ وأن ذلك أقصى ما في الوسع في بلادٍ لا تعتبر ما سبق من الجرائم ؟ ولئن يغرّم الزاني والشارب خيرٌ من أن يُترَك وشأنه فتُطمس المنكرات ولا يُعاقب عليها البتّة ؟

  إنّ  المسألة السابقة فرعٌ عن أصلين اثنين، فإلى أيّهما كانت أقربُ أخذت حُكمَه :

  الأصل الأول: حرمة الابتداع في الدّين. فالحدود الشرعيّة توقيفيّة ٌمقدّرة ٌ كالعبادات لا مجال للنّظر فيها ولا للاجتهاد.
    ذكر الكاساني تعريفها وتقديرها بقوله (وفي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عن عُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَاجِبَةٍ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عز شَأْنُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فإنه ليس بِمُقَدَّرٍ، قد يَكُونُ بِالضَّرْبِ وقد يَكُونُ بِالْحَبْسِ وقد يَكُونُ بِغَيْرِهِمَا وَبِخِلَافِ الْقِصَاصِ فإنه وَإِنْ كان عُقُوبَةً مُقَدَّرَةً لَكِنَّهُ يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ حتى يَجْرِيَ فيه الْعَفْوُ وَالصُّلْحُ)
    وذكر ابن رجب الحنبلي أن ّ تغييرها من البدع في الدّين، وذلك عند شرحه لأصلٍ عظيم ٍ في النّهي عن البدع وهو قوله صلى الله عليه وسلّم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) فقال- رحمه الله-  (وأما المعاملات كالعقود والفسوخ ونحوهما فما كان منها مغيرالأوضاع الشرعية كجعل حد الزنا عقوبة مالية وما أشبه ذلك فإنه مردود من أصله لا ينتقل به الملك لأن هذا غير معهود في أحكام الإسلام، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قالللذي سأله: إن ابني كان عسيفاً على فلان فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم فقال النبي صلى الله عليه وسلم المائة الشاة والخادم رد عليك وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام) 

والأصل الثاني: التكليف بالمستطاع . وأصله معروف ٌ في الكتاب والسنّة، كقوله تعالى (لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها)وقوله صلى الله عليه وسلّم (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم) . وقعّد الفقهاء لهذه الأدلّة واستنبطوا منها قاعدة وهي أن( من كلف بشيء من الطاعات فقدر على بعضه وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه) أو  بتعبير آخر (الميسور لا يسقط بالمعسور)وكذلك أخذوا من هذه الأدلّة قاعدة (ما لا يدرك كلّه لا يُترك كلّه)   ،وضربوا عليها الأمثلة ممّا يُعدّ ذكرها هنا إسهابا ً وخروجاً على الموضوع الرئيس.

  وفي مسألتنا هذه - على افتراض صحّة هذا التخريج- فإنّ إقامة الحدّ معسورٌ والتعزيربالمال ميسور، فينبغي الإتيان بالمقدور ويسقط المعسور.

     وبتأمّل الأصلين السابقين يُلاحظ أن محلّ النّهي عن الابتداع بتغيير الحدود هو عند القدرة على تنفيذها، فالنّبي صلى الله عليه وسلّم حكم ونفّذ شرع الله سبحانه وتعالى لقدرته على ذلك، وليس الحال كذلك في مسألتنا للعجز عن التنفيذ. فادّعاء الابتداع- والحالة هذه- فيه تكلّف ٌ ظاهر.

   وفي الوقت ذاته، التعزير بالمال عند العجز عن تطبيق الحدّ هو إتيانٌ بالمستطاع  وتوقيع ٌ لما يسمّى (عقوبة) في الشرائع السماويّة والقوانين الأرضيّة ، والعقوبة بما تيسّر واجبة ٌ إعمالاً لقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور.

    إنّ تراثنا الفقهيّ حفظ لنا فيما حفظ أن الحدود تسقط كلّها أو بعضها وتُستبدل بالتعزير، وذلك في موضعين اثنين:

    الأول: عند عدم ثبوت الحدّ
      قال السّيوطي في التمثيل على إسقاط الحدّ وتطبيق التعزير بدلاً منه  ( لو شك في الحدّ أَرَجم ٌ أو جَلد ٌ فإنه لا يُحدّ بل يُعزر كما قرره ابن المسلم أن التردد بين جنسين من العقوبة إذا لم يكونا قتلاً يقتضي إسقاطهما والانتقال إلى التعزير)
    وفي حاشية ابن عابدين حول حكم تناول المسكرات من غير الخمر : (مطلب في البنج والأفيون والحشيشة : قوله " لكن دون حرمة الخمر " لأن حرمة الخمر قطعية يكفر منكرها بخلاف هذه. قوله " لا يحد بل يعزر " أي بما دون الحد)




  


والثاني: في دار الحرب
    قال الكاساني-رحمه الله- في الأحكام التي تختلف باختلاف الدّارين: (منها أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَا في دَارِ الْحَرْبِ أو سَرَقَ أو شَرِبَ الْخَمْرَ أو قَذَفَ مُسْلِمًا لَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ من ذلك لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْدِرُ على إقَامَةِ الْحُدُودِ في دَارِ الْحَرْبِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ ...... وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا لَا يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ كان عَمْدًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ إلَّا بِالْمَنَعَةِ...... وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ خَطَأً كان أو عَمْدًا وَتَكُونُ في مَالِهِ لَا على الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ على الْقَاتِلِ ابْتِدَاءً أو لِأَنَّ الْقَتْلَ وُجِدَ منه وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ على الْقَاتِلِ لَا على غَيْرِه فَكَذَا الدِّيَةُ تَجِبُ عليه ابْتِدَاءً وهو الصَّحِيحُ، ثُمَّ الْعَاقِلَةُ تَتَحَمَّلُ عنه بِطَرِيقِ التَّعَاوُنِ لِمَا يَصِلُ إلَيْهِ بِحَيَاتِهِ من الْمَنَافِعِ من النُّصْرَةِ وَالْعِزِّ وَالشَّرَفِ بِكَثْرَةِ الْعَشَائِرِ وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ لهم وَنَحْوِ ذلك وَهَذِهِ الْمَعَانِي لَا تَحْصُلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَلَا تَتَحَمَّلُ عنه الْعَاقِلَةُ
   وَكَذَلِكَ لو كان أَمِيرًا على سَرِيَّةٍ أو أَمِيرَ جَيْشٍ وَزَنَا رَجُلٌ منهم أو سَرَقَ أو شَرِبَ الْخَمْرَ أو قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً أو عَمْدًا لم يَأْخُذْهُ الْأَمِيرُ بِشَيْءٍ من ذلك لِأَنَّ الْإِمَامَ ما فُوِّضَ إلَيْهِ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على إقَامَتِهَا في دَارِ الْحَرْبِ إلَّا أَنَّهُ يُضمّنُهُ السَّرِقَةَ إنْ كان اسْتَهْلَكَهَا وَيُضَمِّنُهُ الدِّيَةَ في بَابِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ على اسْتِيفَاءِ ضَمَانِ الْمَالِ) 

      فانظر كيف أسقط الحدّ واستبدله : فأوجب الدّية في قتل العمد دون إذن وعفو وليّ الدّم، وأوجب الدّية على القاتل في قتل الخطأ وليس على العاقلة،وضَمّن السارق ما سرق ولم يقطعه ، فكل ذلك تغيير ٌ للأحكام الثابتة ابتداءاً ، لكنّه أفتى بها إما لعدم القدرة على التنفيذ ، أو لعدم الولاية على الجاني، فأمر بفِعل ِما يُستطاع .

    فالقول إذا ً بجواز استبدال الحدود بعقوبة ٍ أخرى-  أوعلى الأقل- تنفيذ ما يُستطاع منها ليس بدعاً من القول.
         وإضافة ً لقول الأحناف السابق ، أخذ بهذا الرأي من المعاصرين الشيخ محمد رشيد رضا- رحمه الله-  مفتيا ًبه المسلمين في الهند،  فقال بجواز توليّ الوزارات تحت سلطان الاستعمار الإنجليزي والقضاء بقوانينهم في رقاب المسلمين وأعراضهم وأموالهم معتبراً أن قوانينهم هي أقرب القوانين للتشريعات الإسلامية لأنّها قائمة ٌ على مراعاة العدل والمصلحة ، وكذلك في الشريعة الإسلامية إذ غالبها آيلٌ للتعزير، والتعزير موكولٌ إلى اجتهاد القاضي 





  وباستقراء ما سبق: إذا جاز وضع ضابط  (وجود المانع) لجوازإسقاط الحدود في دار الحرب أوعند عدم ثبوتها واستبدال ذلك بالتعزير، إمّا بالغرامة المالية أو بتوقيع ما دون الحد ، فإنّه يجوز طرداً لذلك أن نقول:

    يجوز للمحكّم المسلم أن يُعزّر من زنا أوسرق أو قذف أو شرب خمراً، إمّا بالمال أوبما دون الحدّ بما تسمح به القوانين بدلاً من إقامة الحدّ عليه لوجود المانع وهو عدم القدرة، ولأن ذلك أقصى ما في الوسع ، و(إقامة حدّ في الأرض خيرٌ لأهلها من مطر أربعين ليلة )

    وخلاصة هذا المبحث هو جواز التحكيم في كلّ ما تسمح به القوانين خارج ديار الإسلام دون استثناء ، والقول باستبدال الحدود بعقوباتٍ تعزيريّة ٍ ماليّةٍ ضمن ما تسمح به القوانين قولٌ له حظٌ من النّظر.

    وبعد:

   هذا ما يسّر الله جمعه حول التحكيم الإسلامي خارج ديار الإسلام، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلّى الله على خير خلقه محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

















ملخّص البحث
  1-  التحكيم نظام ٌ إسلاميٌ أصيل ٌ للفصل في الخصومات يختلف عن الوكالة والخبرة، وهو فوق الصلح والإفتاء لكن دون سلطة التنفيذ، ودون القضاء لكن مع الإلزام.

2-  الحكم بالشّريعة الإسلامية من لوازم الإيمان وأصوله.

3-  التحكيم مباحٌ عند وجود القضاء الشّرعي.

4- التحكيم واجبٌ بحسب الاستطاعة عند عدم  وجود القضاء الشرعيّ إذا تعيّن وسيلة ً لفضّ النّزاعات، كمن يقيمون خارج ديار الإسلام.

5- لا يجوز اللجوء للقضاء غير الإسلامي مع وجود التحكيم.

6-  يحرم رفض التحكيم بغير عذر ٍ مقبول ٍ شرعا ً.

7- يُعذر المكره إذا ألجئ  إلى القضاء غير الإسلاميّ.

8-  يجوز اللجوء للقضاء غير الإسلاميّ إذا تعيّن وسيلة ًلتحصيل الحقوق المشروعة.

9-  يجوز التحكيم في كلّ ما تسمح به القوانين خارج ديار الإسلام دون استثناء .

10-  يجوز استبدال الحدود بعقوباتٍ تعزيريّة ٍ ماليّةٍ ضمن ما تسمح به القوانين.