قـراءة في القرار الصادر عن
المجلس الاعلى عدد 231
بتاريخ 31/1/2003 ملف
عدد:369-3-2-99
اعداد مستشار متخصص / عز الدين ايت لقصير
عضو نادي قضاة التحكيم الدولي ـ المغرب
التعليــــــق
على القرار:
يجسد هذا القرار أحد أبرز الاشكاليات
العملية التي كثيرا ما نعاين نماذجها على ارض الواقع العملي سواء ما تعلق منها
بالممارسة البنكية أو العمل القضائي،وتتمثل هذه الاشكالية في معرفة حدود الفرق بين
الكفالة البنكية وخطاب الضمان، خاصة وأن نقاط الالتقاء (التقنية منها والقانونية)
متعددة بين الاليتين التين تشكلان أحد أبرز صور الضمانات البنكية.
كما ينصرف شق آخر من الاشكالية الى حدود
السلطة القضائية في تناول وتكييف العقود والالتزامات التبادلية للاطراف المتعاقدة
حسب طبيعة هذه العقود والالتزامات وتموقعها القانوني السليم ولو ضــدّا على ارادة
الاطراف التلقائية في تسمية واعتبار تعاقداتها.
ملخص وقائــــع النازلـــــــة:
تتلخص وقائع النازلة موضوع القرار المزمع
التعليق عليه في أن الشركة العامة العقارية (وهي فرع من صندوق الايداع
والتدبير) تقدمت بمقال افتتاحي للدعوى تعرض من خلاله بان المؤسسة البنكية (بنك
الوفاء) عمدت بموجب اتفاق تراضي بين الاطراف الموقعة عليه على اصدار وكالة ذات
طابع شخصي وتضامني تلتزم بمقتضاها بضمان أداء المدعية مبالغ مالية نظير الخدمات
المقدمة لها، وذلك في حدود الاجال المقررة لتواريخ الاستحقاق......... وبعد اخلال
الشركة المكفولة من قبل المصرف البنكي بالتزاماتها المقابلة فيما يخص الاحجام عن
سداد ما هو مترتب بذمتها المالية وعدم احترام تواريخ الحلول والاستحقاق ......تـم
الاعلان عن فسخ الصفقة التجارية بين الاطراف المتعاقدة بعد سلوك الاجراءات
المسطرية والشكليات النظامية المقررة بمقتضى الالتزام التبادلي المؤسس لذات
الصفقة.....إلا ان المؤسسة البنكية امتنعت عن الاداء مستندة في ذلك على صفقتها
الاستثنائية كمجرد كفيل غير متضامن وبان الشركة المكفولة هي المدينة وليس البنك،
وهذا ما يؤدي حسب رأيها الى انقضاء الكفالة، وفضلا عن ذلك فان الكافل لا يلتزم
بالاداء الا بعد امتناع المكفول المدين الاصلي عن تنفيذ التزامه بالاداء.
وبعد انتهاء مناقشة القضية وتقديم دفاع
اطراف الخصومة التجارية لكافة دفوعاتهم الشكلية والموضوعية قضت محكمة الدرجة
الاولى بأحقية المدعية في استيفاء مديونتيها مع الفوائد القانونية من تاريخ الطلب
وتعويض يجبر الضرر مع اخراج الخصم المدخل في الدعوى (الشركة الجديدة للاشغال
والمقاولة) بعد انتفاء موجبات الادخال في الخصومة، وهو الحكم الذي أيدته محكمة
الدرجة الثانية مع تعديل ملحوظ في موجبات التعليل وحيثياته لما اعتبرت أن محور
النزاع يتعلق بخطاب الضمان،مكيفة بذلك العقد أساس الدعوى تكييفا مغايرا، إذ
اعتبرته خطاب ضمان عوضا عن عقد كفالة.
واستنادا لما ذكر تقدم البنك بطلب رام
للطعن بالنقض للقرار المذكور مؤسسا موقفه على الاعتبارات التالية:
أ)عـــــدم أحقيـة محكمة الموضوع في تكييف العقد موضوع الدعوى:
وذلك باعتبار ان الامر يتعلق بخطاب ضمان،
في حين أن حقيقة ذات العقد تتعلق بكفالة بنكية وهو ما جعلها تتجاوز
اختصاصاتها،وبالتالي فهي لم تجعل لما قضت به أساسا صحيحا من القانون أو الواقع ولا
سيما بعدما رتبت على اعادة التكييف نفس الاثار القانونية والبنكية المرتبطة عادة
بخطاب الضمان.
ب) تناقض الحيثيات المعتمدة في القرار الاستئنافي:
إذ غيرت المحكمة جدريا التكييف المعتمد من
قبل محكمة الدرجة الاولى معتبرة العقد موضوع الدعوى خطاب ضمان وليس كفالة بنكية،
غير انها لم تعمد الى الغاء الحكم الابتدائي القاضي بالاداء كاجراء تبعي طبيعي،
وهذا خطا في التقدير والتعليل، ما دام ان التعليل هو صلب منطوق الدعوى، وان الحكم
المتناقضة حيثياته ينزل منزلة الحكم المنعدم التعليل ويوجب النقض.
ج) إن الخبرة الحضورية المأمور بها من قبل محكمة الموضوع أقامت الدليل على
ان الشركة المدخلة في الدعوى والمشمولة بالكفالة هي الطرف المدين وليس المؤسسة
البنكية:
وهو ما يرتب مجموعة من الاثار التبعية التي
تؤثر على المراكز القانونية للاطراف وعلى مآل العقد نفسه وعلى رأسها انتهاء
الكفالة،كما أن طبيعة هذا الالتزام التعاقدي لا تعني التزام الكفيل بالاداء بصفة
شخصية، بل إن التزامه هو التزام تبعي لا يكون له محل الا بعد احجام المكفول الاصلي
عن سداد الدين.
موقـــف
قضـــــاء النقــــض:
إلا ان قضاء النقض استبعد دفوعات الطعن
مؤكدا أحقية محكمة الدرجة الثانية في اعادة تكييف العقد موضوع الخصومة واعتباره
خطاب ضمان بدل عقد كفالة كما هو مسطر بديباجة عقد الالتزام التعاقدي مع ما يترتب
عن ذلك من اثار قانونية تابعة،وقد استند قضاء النقض في موقفه على الاعتبارات
القانونية التالية:
أولا : إن أهلية محكمة الموضوع في
استقراء ماهية العقد واستنباط حقيقة محتواه تمنحها أحقية موازية في تكييف العقد
موضوع الخصومة المعروضة على انظارها، على اساس صلب موضوعه وحقيقة مدلوله دون
التقيد بالعبارات او التسميات التي اعطاها له الاطراف استنادا الى مقتضيات المادة
466 من ظهير الالتزامات والعقود(1)، وكذا
المادة 231 من نفس الظهير التي تقضي بان كل تعهد يتعين تنفيذه بحسن نية اعتبارا
للمصلحة المشتركة للاطراف المتعاقدة(2 ).
ثانيــــا:عندما يتبين من استقراء
العقد موضوع الدعوى أن المؤسسة البنكية التزمت بالاداء الفوري عند اول طلب في حدود
المبلغ المكفول ودون موافقة مسبقة او التزام من قبل المدعية بما يؤيد طلبها، فان
ذلك يقوم قرينة قاطعة على ارتباط العقد بخطاب ضمان مصرفي، وليس بعقد تصريح بكفالة
المعنون به العقد ولو كان هذا الاخير مذيلا بتوقيع ورضى الاطراف المتعاقدة.
ثالثـا:
من أهم الاثار القانونية لخطاب الضمان كونه يموقع الكفيل كطرف مدين أصلي:
وبالتالي فهو يرتب في ذمته
المالية مديونية متسمة بخصوصية استثنائية تجعل هذه الاخيرة مستقلة تماما عن اية
علاقات اخرى موازية، بما فيها سبب المديونية وتبعاتها، وهو الامر الذي يجرد
المؤسسة البنكية من اية مكنة قانونية بشان الدفوع المحتمل التمسك بها في مواجهة
اطراف العقد، مادام ان خطاب الضمان هو في طبيعته ضمانة بنكية مستقلة توفر للمستفيد
ضمان السيولة عند اول طلب وضمان عدم الاعتراض على الاداء تحت اية ذريعة كيفما
كانت.
|
رابعــــــــــــا:المجلس الاعلى اعتبر ان محكمة الموضوع لم تقع في اي تناقض لما أيّدت منطوق
الحكم الابتدائي القاضي بالأداء مؤسسة أسباب وحيثيات حكمها على علل جديدة لم
يُشــر إليها قاضي الدرجة الاولى والمتمثلة اساسا في اعادة تكييف العقد موضوع
الدعوى حسب مضمونه الحقيقي لا بحسب تسمية ذلك، إن موقفها هذا يندرج في خانة ما
يعرف بالتأييد الصريح لمنطوق الحكم والالغاء الضمني لمسبباته، وهي تقنية
قانونية وقضائية متعارف عليها ولا تشكل تناقضا في حيثيات الحكم، وعليه لم يكن
محتما على محكمة الدرجة الثانية لما عمدت الى اعادة تكييف العقد تكييفا آخر،أن تلغي
منطوق الحكم الابتدائي مادام ان حكم محكمة الدرجة الاولى والثانية جاء موحدا وقضى بالأداء
في مواجهة المؤسسة المصرفية.
ولذلك فان الاشكالية القانونية التي
يطرحها القرار القضائي موضوع التعليق تتمحور وكما سبقت الاشارة لذلك حول
نقطتين رئيسيتين أولهما: تنصرف الى حدود الفرق بين الكفالة البنكية وخطاب
الضمان وخصوصية كل منهما مع رصد اهم نقاط الاختلاف وتمظهرات الاثار القانونية
المصرفية لكل منهما.
وثانيهما:تتعلق باحقية محاكم الموضوع في تكييف العقود حسب حقيقة مراميها وجوهر
محتواها، لا بحسب ظاهر الالفاظ المعنون بها العقد.
إلا أن المجال العملي والميداني في التعاملات
البنكية بالضمانات المصرفية، اكدت في العديد من المرات وقوع تداخل في الخصوصيات
والاثار بين التصاريح بالكفالات البنكية وخطابات الضمان، وهو ما أفضى الى وقوع
خلافات وتباينات في مواقف الاطراف المتعاقدة بشأن حقيقة طبيعة الضمانة البنكية
الممنوحة،مما يجعل الضرورة ملحة لتحديد الاطار التعريفي لكلا العقدين قصد الوقوف
على خصوصيتهما ورصد اوجه التشابه والخلاف بينهما.
من المتعارف عليه أن الخدمات الائتمانية تعد
أحد أبرز الخدمات المصرفية المقدمة من طرف المؤسسات البنكية لفائدة زبنائها، حيث
تتدخل الابناك بعمولتها المالية وضماناتها الرسمية كطرف فاعل في تامين الصفقات
الاقتصادية والعمليات التجارية التي يقدم عليها الزبناء فيمنحها المزيد من الثقة
والامان أثناء ابرامها وتنفيذها.
ومن النماذج العملية لهذه العينة من الخدمات
الائتمانية نجد الكفالة البنكية وهي عبارة عن "التزام
تبادلي تلتزم المؤسسة البنكية بموجبه بتبرئة ذمة التزام المدين المكفول في حالة
تخلف هذا الاخير عن تنفيذ نفس الالتزام"
وهي بذلك تخضع للقواعد العامة المؤطرة تشريعيا
بموجب المادة 1117 من ظهير الالتزامات والعقود(3)،واذا كانت القاعدة العامة تقضي بان الكفالة في أجلها يمكن أن تعقد بأجر أو
بدونه، فان الكفالة البنكية لا يمكن تصورها الا في اطار الكفالة المؤدى عنها اجر
معلوم وهي في ذلك تخضع للاستثناء النوعي المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة
1131 من نفس القانون. (4)
أي أن القاعدة الاصلية تفيد بان الكفالة تعقد
بدون أجر ويستثنى من هذه القاعدة الكفالة التي تعقد بين التجار لأغراض التجارة اذا
سمح العرف بإعطاء أجر عنها.
ويعرف البعض الكفالة البنكية
اعتبارا من مصدرها الاساس بظهير الالتزامات والعقود وهي تتموقع في اصلها كمجرد
التزام صرفي لفائدة الزبون في سبيل منح الثقة التي يفتقر اليها دائنه، وهو التزام
قد يتسع نطاقه حتى الحلول محل الزبون في تبرئة ذمته المالية المترتبة عن مبلغ
الدين المشمول بالكفالة، وذلك في الحالة التي يحجم فيها هذا الاخير عن اداء الدين
بعد انتهاء مهلة السداد، مع مراعاة شرط الاولوية في تجريد المدين الاصلي من
ممتلكاته قبل الكفيل وفي هذا الباب يقول الدكتور محمد الفروجي (5)"تعتبر الكفالة المنظمة بمقتضى القواعد
العامة من أحد أوجه الائتمان بالتوقيع الذي تعمل المؤسسات البنكية على منحه
لزبنائها في اطار العمليات الائتمانية التي تقوم بها طبقا لمقتضيات المادة الثالثة
من القانون البنكي لسنة 1993 المشار اليها اعلاه وتعرف الكفالة بموجب المادة 1117
من ق.ل.ع بانها عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن باداء التزام المدين اذا لم
يؤده هذا الاخير نفسه.
وتدخل الكفالة البنكية في نطاق الاستثناء
الوارد في الفقرة ∏ من المادة 1131 من القانون السالف الذكر، أي إنها تعقد بأجر
مما يجيز للبنك الكفيل أن
يتقاضى عمولة من زبونه مقابل إقراضه توقيعه وذلك وفق النسب والمعدلات التي تحددها
بهذا الشأن السلطات النقدية المشرفة على مراقبة عمل البنوك.
ويرى
البعض الاخر أن الكفالة البنكية هي بمثابة التزام تعاقدي،
تتعهد بموجبه المؤسسة البنكية اتجاه الغير لدعم الثقة في الزبون والحلول محله
أثناء تصفية الدين في حالة تخلف الزبون عن الاداء. (6)
وبموازاة ذلك يقر البعض
بأن الكفالة البنكية تعتبر آلية نموذجية لتجاوز عراقيل التمويل المصرفي وايجاد
التوازن بين نظرية تصاعد المخاطر وصعوبات الخزينة حيث اصبحت تقنية ايجابية
وفعالة لتغطية الاولى والتخفيف من الثانية، وفي نفس السياق يقول الاستاذ عبد
الصمد الزعنوني: (7)
"يعرف القانون البنكي
وبشكل أوسع قانون الاعمال تغييرات عميقة بسبب تطور الكفاءة العالية لتجارة البنوك
تحت تأثير التطور التكنولوجي،فالمعلوميات تجابه هذا القطاع بمشاكل جديدة يصعب
أحيانا احتواؤها وأحيانا اخرى غير منتظرة تضع البنك في وضع يضطر معه الى ايجاد
الحلول السريعة والملائمة، وتعترض اليوم المقاولات عموما ثنائية من الضغوط تتمثل
في تصاعد المخاطر من جهة وصعوبات الخزينة من جهة أخرى، بيد انه بفضل ميكانزمات
ابتدعها الخيال والممارسة البنكية أصبح بالامكان تغطية الاولى والتخفيف من تحديات
الثانية، ومن بين هذه التقنيات تحتل الكفالة البنكية مكانة من الدرجة الاولى وهي من
أهم الالتزامات بالامضاء.
وتجدر الاشارة الى أن
الكفالة البنكية هي وجوبا نظير أجر، فهي كفالة مؤدى عنها مادام أن نشاط البنك والقرض والمعاملات المالية المباشرة بشكل
اعتيادي أو احترافي، يدخل في سياق الاعمال التجارية طبقا للفقرة 7 من المادة 6 من
قانون 95/15 المتعلق بمدونة التجارة والتي تمارس في اطار شركات المساهمة، واعتبارا
لكون النشاط المصرفي يرتبط في سياقه العام بالعمل التجاري سيما وأنه ينصب على
الائتمان والعمليات البنكية التي تعد أعمالا تجارية بطبيعتها وتندرج في خانة
الاعمال التجارية المطلقة والمنفردة"(8).
وتعتبر الكفالة البنكية أبرز التجليات الميدانية
للضمانات الشخصية المقدمة من طرف المؤسسة البنكية لفائدة زبنائها، اذ تتوحد ذمتها
مع ذمة المدين الاصلي في الالتزام بالاداء... بل ان احتمال امكانية تموقع البنك في
الاولوية المطلوبة لتبرئة الدين بصرف النظر عن المكفول المدين الاصلي تبقى قائمة،
حيث ينقل التزامه في الكفالة من التزام بتوقيع على سبيل الضمان الى الالتزام
الاجباري بالسداد وهو الامر الذي يفرض على المؤسسات البنكية اتخاذ الاحتياطات
التامينية والاحترازية المستقبلية قبل الاقدام على تذييل طلب الحصول على الكفالة
البنكية بالموافقة المبدئية، كما هو الشان بالنسبة لاستقراء نسبة المخاطر وإقرار
الضمانات العينية والشخصية المتعين على الزبون توفيرها، وكذا طلب تقديم ضمان أو
تأمين بصرف النظر عن طبيعته شخصيا كان أو عينيا.
وبالنظر للخصوصية التي تحضى بها الكفالة البنكية
سواء على مستوى الامتيازات المصرفية المقدمة للزبناء ودورها البارز في تنشيط
الحركة التجارية وتطوير نسيج القطاع المقاولاتي، أو على مستوى اطراف التركيبة
المتعاقدة والمتداخلة في سياقها، فقد كان متوقعا ان يشهد تطبيقها عدد من
الاشكاليات البنكية والتجاذبات القانونية التي امتدت مظاهرها لتشكل خصومات مدنية
وتجارية تعرض أطوارها على انظار القضاء، ومن أبرز نماذجها نجد اشكالية حدود نطاق
الكفالة البنكية واشكالية انتقال التزام البنك في الكفالة من التزام بالتوقيع على
سبيل الضمان الى الالتزام باداء الدين المكفول، وموضوع الالتزامات الاذعانية في
الكفالات البنكية بشأن توفير الضمانات العينية والشخصية وتامينات التنفيذ
المستقبلي لبنود الكفالة......واشكالية حدود التداخل والتضارب بين الكفالة البنكية
وخطاب الضمان وهي الاشكالية التي تعنينا في هذا الباب وتشكل المحور الاساس لموضوع
التعليق على قرار المجلس الاعلى.
ولذلك لابد من القاء نظرة موجزة عن ماهية
خطاب الضمان وبيان خصوصياته القانونية والمصرفية كأحد اهم أدوات الائتمان البنكي:
يعتبر خطاب الضمان احد أبرز التقنيات
العالمية التي أفرزها التطور المتلاحق لسياق التجارة الدولية وتصاعد ظاهرة تدويل
العمل المصرفي عبر ارجاء العالم، وتطور الفضاء المقاولاتي الوطني والدولي وتزايد
اللجوء الى تقنيات التعامل البنكي في التجارة الدولية كالاعتمادات المستندية
والمناقصات الدولية والتحويلات المالية عبر الوطنية والتي تقترن في غالبها بخطابات
ضمان تتخذ صورة تعهدات بنكية ذات صبغة جبرية بضمان الاداء تجاه الاغيار لفائدة
زبنائها في حالة احجامهم أو عزوفهم عن التنفيذ أو تبرئة ذممهم المالية تجاه من له
الحق، وهكذا جاءت خطابات الضمان النقدي المفروض على الزبون تقديمه للغير أثناء
تنفيذ صفقة مالية، حيث تتخذ هذه الخطابات شكل تعهدات بنكية تقدمها المؤسسة
المصرفية ملتزمة بموجبها بدفع مستحقات المستفيد بناءا على اول طلب دون امكانية
الاحتجاج باية دفوعات سواء أكانت شخصية أو مستمدة من العقد بالاساس،وبذلك أمكن
القول أن خطابات الضمان هي تعهدات شخصية الزامية صادرة عن مؤسسة بنكية وهي مجردة
عن اية علاقة أو تبعية للعقد الاساسي،وتلزمها بالاداء عند أول طلب مع تنازل كلي
ومسبق باية امكانية للتمسك بالدفوع المرتبطة بعقد الاساس.
وبالرجوع الى كرونولوجيا ميلاد خطاب الضمان
كآلية وتقنية بنكية لابد من ملاحظة أن هذه العينة من الخطابات استحدثت ونشأت بعيدا
عن التأطير التشريعي ووجدت ملاذا مناسبا لميلادها في اطار الاعراف المصرفية،إذ
تدخلت على الخط غرفة التجارة الدولية التي حاولت تدارك هذا الفراغ التشريعي لتنظيم
خطابات الضمان.
إذ أنشأت ما عرف بخطابات الضمان ذات الصبغة
التعاقدية ابان الثمانينيات من هذا القرن وبالضبط سنة 1987 غير أن هذه العينة من الخطابات لم
تستطع أن تخطب ود عموم المتعاملين والمتدخلين في الشأن البنكي ولا سيما في غياب
تحفيزات السداد عند الطلب الاول، وضعف مؤشرات التداول المصرفي الخاص به وتعلقه في
الغالب بنوعية خاصة من الضمانات وهي الضمانات المستندية، واستمر الوضع على ما هو
عليه الى غاية 1992 إذ ظهر للوجود ما عرف بالقواعد الموحدة لخطابات الضمان بمجرد
الطلب رغم ما أحيط بها من انتقادات جانبية تمحورت في مجملها حول انعدام التوازن في
الحقوق والضمانات بين الآمر بخطاب الضمان والمؤسسة المصرفية الوسيطة والمستفيد.
وفي سنة 1995 أقرت لجنة الامم المتحدة
المكلفة بتوحيد تشريعات القانون التجاري الدولي وتنفيذ توصيات المؤسسات المتداخلة
في سياقه بانجاز ما اصطلح عليه باتفاقية الامم المتحدة للضمانات المستقلة وخطابات
الاعتماد الضامنة التي عمدت الى اعادة بلورة مقتضياتها وتوحيدها في اطار تشريعي
موحد.
وقانـونا يعرف بخطاب الضمـــــــان:بانه:" تعهد كتابي قطعي وغير قابل للرجوع: مقيد ومرتبط بحيّز محدد
في أمده الزمني يكون صادرا عن مؤسسة بنكية بناءا على طلب صريح لاحد زبنائها يسمى
"المشمول بالضمان" تتعهد بموجبه بدفع مبلغ مالي في قيمته لفائدة شخص آخر
يسمى المستفيد من الخطاب بمجرد اول طلب في الحالة التي يحجم فيها الزبون عن تنفيذ
التزامه، وفي مقابل ذلك يتعهد المستفيد من جهته بتنفيذ التزامه مع اقرار حق هذا
البنك في الرجوع على الزبون بما دفعه لفائدة المستفيد ويكون الدفع خلال مدة محددة
بذاتها في عريضة الخطاب دون أية امكانية متاحة للبنك للتمسك بدفوعات من أجل عدم
الدفع مستمدة من عقد الاساس أو من العلاقة الرابطة بين الاطراف المتداخلة في تنفيذ
خطاب عقد الضمان ويصدر خطاب الضمان نظير رسم أو عمولة تحدد غالبا كنسبة من المبلغ
المضمون مع وجود دفعها مقدما،وقد يكون خطاب الضمان مغطى كاملا بالتزام الزبون
بسداد كامل قيمته، كما قد يكون جزئيا متى اشترط عليه البنك ايداع مجرد نسبة مئوية منه.
كما عرفه مختصـو القانون التجاري بانه:" تعهد كتابي صادر عن البنك بناءا على طلب زبونه يلتزم خلاله لصالح
هذا الاخير في مواجهة شخص ثالث وهو المستفيد بأن يدفع مبلغا معينا اذا طلبه
المستفيد خلال اجل محدد في الخطاب أو هو "تعهد كتابي بموجبه يتعهد البنك
بكفالة أحد عملائه في حدود مبلغ معين تجاه طرف ثالث بمناسبة التزام ملقى على عاتق الزبون
بالاداء تجاه ذلك الطرف خلال مدة معينة،
على أن يدفع البنك المبلغ المضمون عند اول مطالبة خلال سريان الضمان بغض النظر عن
معارضة المدين أو موافقته وذلك في حالة فشل الزبون بالوفاء بالتزاماته تجاه الطرف
الثالث او اخلاله بشروط التعاقد معه"
ومن خلال ما سبق ذكره: يتضح أن
خطاب الضمان تتداخل في تركيبته ثلاثة أطراف رئيسية :
*البنـــــــك: بصفته الطرف الضامن والملتزم بتنفيذ التعهد بالاداء.
*الزبـــــون: وهو الطرف المشمول بالضمان.
*المستفيــــد: وهو الطرف المتمتع بالحماية البنكية بالضمان.
*قيمة الضمــان: وهو المبلغ المشمول بالاداء.
ويصدر خطاب الضمان
بمبادرة شخصية للزبون الذي يقدم طلبا في الموضوع لمؤسسته البنكية يحدد فيه موضوع
الضمان والقيمة الاجمالية المطلوب شمولها بالضمان وأمده الزمني والجهة المستفيدة
منه وبالطبع تلعب سمعة الزبون وموقفه المالي دورا رئيسيا في قبول الطلب من عدمه،
إذ لا يتصور إبرام هذا النوع من العقود إلا بعد دراسة مستفيضة لوضع الزبون ودراسة
مساره البنكي وتقييم مركزه المالي وتحديد الضمانات المفروض عليه تقديمها من قبل
تامينات الضمان كالرهون العقارية أو رهون الاسهم الاسمية او ايداع مستندات مالية
لدى المؤسسة البنكية يتأتى تحويلها الى قيمة مالية فيما لو طلب من البنك سداد هذا
الضمان أو تقديم كفالة بنك أجنبي مشهود بقوة مركزه المالي.
والآن وبعد أن تطرقنا بإيجاز شديد لماهية
الكفالة البنكية وخطاب الضمان نقف عند القواسم المشتركة والتباينات القائمة في
المواصفات والخصوصية اللتان تتمتع بهما كل تقنية بنكية على حدة وما هي حدود السلطة
القضائية في اعادة تكييف العقود البنكية عبر البحث عن قصد المتعاقدين دون الوقوف
عند المعنى الحرفي للالفاظ ولا عند تركيب وصياغة المقتضيات المسطرة بالعقد،وذلك
على ضوء محور النازلة موضوع القرار الذي نحن بصدد التعليق عليه.
لقد أسست المؤسسة البنكية طالبة النقض
موقفها بشأن الامتناع عن الاداء على صفتها المعلنة في العقد ككفيل بنكي وهي الصفة
المتعاقد عليها والمؤطرة من خلال الالتزام التبادلي المبرم بينها و بين زبونها...
بالنظر الى نوعية الكفالة غير المتضامنة، فان المؤسسة البنكية تبقى غير ملزمة
بسداد الدين الاصلي وبالمقابل تبقى الشركة المكفولة هي المدينة وليس البنك فضلا عن
كون الكفالة البنكية لا تلزم البنك بالاداء إلا بعد امتناع المدين الاصلي عن تنفيذ
التزامه بتبرئة الدين لسبقية اشتراط ذلك،استنادا لمقتضيات المادة 1136 و 1134 من
ظهير الالتزامات والعقود.... اضافة الى ما سبق استعراضه فان ثمة عنصر حاسم في
النازلة يجعل موقف البنك حسب وجهة نظره هو الاجدر بالحماية القانونية ويتعلق الامر
بتنصيص العقد المحتج به الذي يشير في عنوانه وصلبه الى كفالة بنكية ويتعين الخضوع
لمقتضياته استنادا لمقتضيات الفصل 230من ظ.ل.ع التي تقضي بأن الالتزامات التعاقدية
المنشأة على وجه قانوني صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئيها ولايجوز الغاؤها
إلا برضاهما معا او في الحالات المنصوص عليها قانونا.
ولمعرفة مدى حجية دفوعات البنك مقارنة بموقف
القرار القضائي يتعين بداية استعراض الفرق بين الكفالة البنكية وخطاب الضمان.
بصرف النظر عن توحد طبيعة كل من عقد الكفالة
البنكية وخطاب الضمان كآليتين مصرفيتين للائتمان إذ توفران ضمان كلي أو تكميلي للزبناء
وتمنحهم قيمة مضافة من الثقة والامان لتنفيذ صفقاتهم التجارية ومشاريعهم الاقتصادية
وتطوير نسيجهم المقاولاتي داخل السوق المالية، فإن ذلك لا يمنع من وجود فوارق
عملية بين الكفالة البنكية وخطاب الضمان واللتان تؤثران على موقف البنك في
الالتزام ومركزه القانوني وتحددان نطاق حدود هذا الالتزام مع ما يترتب عن ذلك من
نتائج تبعية على مركز البنك مانح الائتمان بالتوقيع كما تؤثر في سياق موازي على
حقوق الزبون والضمانات المخولة للطرف المستفيد بحسب ما إذا كان الامر يتعلق بكفالة
بنكية أو خطاب ضمان.
ويتعين الاشارة الى أن الكفالة البنكية تخضع
في تنظيمها وآثارها وانقضائها لظهير الالتزامات والعقود المغربي (الفصول 1117 الى
1169) واستنادا لما ذكر يمكن القول ان الكفالة البنكية هي تعهد صادر عن المؤسسة
البنكية تلتزم بموجبها بسداد المستحقات المترتبة عن الزبون في حالة احجامه عن
الاداء ويترتب عن هذا التصور أن التزام الكفيل يبقى تابعا لالتزام المدين
المكفول ويدور معه في صحته وفي مقداره واستحقاقه وفي بقائه وانقضائه....وعليه فانه
لا يمكن للدائن ان يطالب الكفيل بالاداء إلا بعد اثبات سبقية اثبات رجوعه الاولي
على المدين الاصلي مالم يتنازل صراحة عن التمسك بالدفع بالتجرد أو سبقية التعهد
بالتضامن مع المدين الاصلي....ومن جهة اخرى يمكن للمؤسسة البنكية في الكفالة
البنكية أن تتمسك في مواجهة المستفيد بكل دفوع زبونها المدين الاصلي سواء كانت
شخصية او متعلقة بالدين المضمون على الرغم من اعتراض هذا الاخير أو تنازله،وبموازاة
ذلك يمكن للبنك مقاضاة المدين الاصلي الذي أنجزت الكفالة البنكية لصالحه متى رفعت
عليه الدعوى قضاءا من اجل الوفاء بالدين أو حتى قبل ان توجه اليه اية مطالبة اذا
كان الزبون في حالة مطل في تنفيذه ===للالتزام او اذا كان المدين قد التزم بأن
يقدم للكفيل ابراء ذمته من الدائن خلال أجل محدد، ثــم حــلّ هذا الاجل....أو إذا
صعبت مطالبة المدين الى حد كبير لاعتبارات غير متوقعة.
وإذا كانت الكفالة البنكية تخضع كما سلف
الذكر في تنظيمها لظهير الالتزامات والعقود كإطار عام،فان خطاب الضمان يخضع في
تنظيمه واطاره التشريعي للقواعد التجارية الدولية في اطار ما يعرف باتفاقية الامم
المتحدة للضمانات المستقلة وخطابات الاعتماد، ويختلف خطاب الضمان عن الكفالة
البنكية ايضا من حيث الاثار المترتبة عن الاول، حيث يتسم التزام البنك في خطاب
الضمان باستقلالية تامة عن التزام الزبون بوصفه مدينا اصليا وكنتيجة تبعية فان
المؤسسة المصرفية تجبر على السداد الفوري بمجرد تقديم الطلب ولا يكون لموقف الزبون
أو مركزه أي تاثير في الدفع مادام أن التزام البنك في خطاب الضمان يتجرد من
التبعية لالتزام الزبون وتبقى علاقة المؤسسة البنكية بالمستفيد الذي صدر خطاب
الضمان لفائدته، مستقلة بطبيعتها عن علاقتها بالزبون وهذه نتيجة منطقية لطبيعة
خطاب الضمان مادام هذا الاخير هو تعهد
قطعي غير مقيد بزمن محدد و غير قابل للرجوع يصدر عن البنك بناءا على طلب
زبونه بدفع مبلغ معين لفائدة المستفيد في حالة احجام الزبون عن الوفاء بالتزامه مقابل
عمولة محدد مقدارها وغالبا تحدد كنسبة من المبلغ المضمون وتؤدى على وجه التسبيق.
وبعدما عرضنا نقاط الاختلاف والتشابه في
الطبيعة والاثار لكل من الكفالة البنكية وخطاب الضمان ننتقل الى استقراء حقيقة
الالتزام التعاقدي موضوع الخصومة التجارية للقرار القضائي موضوع التعليق.
استقـــراء
حقيقــة الالتـــزام التعاقـــدي موضـــوع القـــــرار:
إن القراءة التحليلية تفيد بان العقد موضوع
الدعوى المحتج به من قبل البنك طالب النقض يتميز بالخصائص التالية:
أولا: البنك يلتزم من خلال هذا العقد وحسبما يستفاد من استقراء بنوده بالاداء
الفوري عند اول طلب وفي حدود المبلغ المكفول.
ثانيـــا:البنك مجرد من اي امكانية للاعتراض على سداد المبلغ موضوع العقد عند تقديم
طلب باستيفائه من قبل المستفيد.
ثالثا:العقد المبرم بين طرفي الخصومة التجارية يوفر للمستفيد ضمان السيولة من
أول طلب.
رابعا:الالتزام التبادلي موضوع الدعوى ينشئ للمستفيد حقا مباشرا أومستقلا عن اية
علاقة قد يكون مصدرها اتفاق الاساس او المراكز القانونية للاطراف المتداخلة في
تركيبته.
إن قراءة متأنية للخصائص المستعرضة اعلاه
تحيلنا على نتيجة حتمية مفادها أن العقد
يتعلق بخطاب ضمان على اعتبار تعهد قطعي محظور الرجوع فيه ومرتبط بحيز زمني محدد
وواجب الاداء بمجرد اول طلب دون اية امكانية للاعتراض على الدفع، مادام أن التزام
البنك خلال نفس العقد يكون مستقلا عن اية علاقة قد تستمد جذورها من العلاقة بأطراف
العقد أو عقد الاتفاق، ولذلك فان البنك ملزم وجوبا بمجرد اصدار خطاب الضمان ووصوله
الى المستفيد باداء القيمة المالية المحددة بنفس الخطاب.
ولما تبين من استقراء جوهر العقد أن البنك
التزم بسداد القيمة المالية عند أول طلب في حدود نطاق المبلغ المكفول ودونما
اعتبار لموقف المدعية،فان ذلك يقيم الدليل على ان العقد يرتبط بخطاب ضمان مصرفي
وليس بعقد تصريح كفالة بنكية حسبما هو مسطر بالعقد.
ومتى سلمنا بأن العقد موضوع القرار القضائي
يتعلق بخطاب ضمان وليس بكفالة بنكية فان التساؤل يثور في مدى احقية محكمة الموضوع
في تكييف العقد بصرف النظر عن صراحة عنوانه ككفالة بنكية؟.
الاصل في العقود انها شريعة متعاقديها ويتعين
تنفيذ مقتضياتها طبقا لمضمونها ولا يجوز نقضها أو تعديلها الا بعد اتفاق الاطراف
المتعاقدة أو لاسباب يقررها النظام العام.
إلا انه في غالب الاحيان وأثناء الصياغة
الكتابية للعقود،يقع نوع من التضارب في استقراء تنصيصاتها وبيان مصطلحاتها مما
يبعث على الشك في حقيقة مدلولها ومغزاها.
وفي هذا الباب يتعين التميز بين حالتين
بارزتين:
·
حالة
حظر تكييف العقد:
وتتحقق هذه الحالة إذا كانت
تنصيصات العقد واضحة بشكل جلي حيث لا يعتري صياغتها اي خلل ولا يشوب مضمونها اي
غموض ولا تثير أي غموض أو إبهام في التعرف على حقيقة محتوى العقد وفي هذا الصدد
ينص الفصل 461 مـــــن ظ .ل.ع على أنه" إذا كانت الفاظ العقد صريحة،امتنع
البحث عن قصد صاحبها" وهو نفس ما نص عليه الفصل 513 من القانون المدني
التونسي الذي جاء فيه"اذا كانت عبارة الكتابة صريحة فلا عبرة بالدلالة"
·
حالة
اباحــة تكييف العقـد:
كثيرة
الحالات التي تتضمن خلالها الالتزامات التعاقدية بصرف النظر عن طبيعتها القانونية
رضائية كانت أو اذعانية أو غيرهما،عبارت أو صياغة الفاظ لا تستقيم وجوهر العقد
نفسه حيث يشوبها الغموض ويكتنفها الابهام وبالتالي فانه يتعذر استقراء تنصيصاتها
الا باعمال عنصر التكييف والبحث عن النية المشتركة الصريحة للمتعاقدين دون الوقوف
عند المعنى الحرفي للالفاظ ولا عند تركيب الجمل،وبالنسبة للقانون المغربي فان
عملية التاويل وفقا للمادة 462 من ظ.ل.ع يكون لها محل في الحالات التالية:
+ حالة عدم الانسجام
والتوافق بين الالفاظ المحتملة وبين ماهية الغرض من وراء ابــــــــرام العقد
+ حالة غموض الالفاظ
المستعملة في العقد وعدم وضوحها وعجز هذه الالفاظ عن التعبير الواضح لقصد الاطراف
المتعاقدة
+ حالة قيام غموض وابهام
جراء مقارنة بنود العقد المختلفة بحيث تثير حولها الشك حول مدلول تلك البنود
وفي نفس الاطار ذهب التشريع التونسي عندما نص
في الفصل 514 من القانون المدني على انه يسوغ تاويل العقد في الاحوال التالية:
1-
اذا كانت عباراته مناقضة
للمقصود ولصريح الغرض منه عند تحريره.
2-
اذا كانت عباراته غير
واضحة في نفسها أو قاصرة عن بيان مراد صاحبها.
3-
اذا كان موجب الشك
تناقضا في فصول الكتابة او ترددا في حقيقة مدلولها.
وبالرجوع الى القرار القضائي
موضوع التعليق نجد أن محكمة الموضوع الدرجة الاولى اصابت في منطوق الدعوى دون
حيثياتها، لما قضت بأحقية المدعية في استيفاء مديونيتها، معتبرة بأن العقد وإن ارتبط
بكفالة بنكية، فان المؤسسة المصرفية تبقى مجبرة على الاداء عند اول طلب دون الرجوع
على المدين الاصلي،لوجود شرط تعاقدي يمنح للمستفيد استيفاء دينه بمجرد اول طلب
مستندة في ذلك على مقتضيات الفصل 230 م ظ.ل.ع التي تقضي بأن الالتزامات التعاقدية
المنشأة على وجه قانوني صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لعاقديها،ولا يجوز الغاؤها
أو تعديلها الا برضا الاطراف المتعاقدة باستثناء الحالات المحددة صراحة في
القانون.
والحال أن الحيثيات المعتمدة من طرف الحكم
الابتدائي جانبت الصواب لان المحكمة عندما اعتبرت الشرط المذكور كان يستوجب
عليها لزاما إعمال الاثار القانونية المترتبة عن ذلك، وعلى رأسها اعادة تكييف
العقد بما يستجيب والمنطوق المقضي به من طرفها.
أمــــــا محكمة الاستئناف فقد صادفت الصواب
تعليلا ومنطوقا عندما أقرت بان محكمة الموضوع تتمتع بصلاحية اعادة تكييف الالتزام
التعاقدي موضوع الدعوى،واستقصاء قصد المتعاقدين ونيتهم دون الوقوف عند المعنى
الحرفي للالفاظ ولا عند تركيب وصياغة العبارات المستعملة وأهليتها تمتد الى
استقراء ماهية العقد واستنباط كُنـــه محتواه بما يتجاوب وحقيقة النية المشتركة
للمتعاقدين.
وإن محكمة الدرجة الثانية عندما لاحظت أن
البنك قد التزم من خلال عقد الكفالة البنكية بالاداء القوي لمستحقات المستفيد وفي
حدود القيمة المالية المشمولة لذات الكفالة البنكية، ودون موافقة مسبقة أو التزام
من قبل المدين الاصلي وبمجرد اول طلب دون تبعات فان ذلك يشكل مؤشرا قانونيا صريحا
على تعلق الامر بخطاب ضمان مصرفي وليس عقد كفالة بنكية ولو عُنون العقد بهذه
التسمية وهو الامر الذي يفتح المجال امامها لاستقراء ماهية العقد واستنباط حقيقته
ومن ثمة تكييف العقد على ضوء حقيقة محتواه كعقد خطاب ضمان يجرد المؤسسة البنكية من
أهلية التمسك بأية دفوعات خارج نطاقه سواء تعلق الامر بعقد الاساس او بالعلاقة
القائمة بين اطراف تركيبته، وهو الامر الذي سار المجلس الاعلى على نسقه بعد ان
ساير قرار محكمة الاستئناف تعليلا ومنطوقا.
والواقع ان القرار موضوع التعليق يكون حسب
وجهة نظرنا مصادفا للصواب وجاعلا لما قضى به أساسا صحيحا من القانون والواقع خاصة
انه لم يمس جوهر الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح بين اطراف الخصومة
وأبرز أهمية القضاء في تقدير البنود الاتفاقية المتعاقد بشانها وكذا تقدير محتواها
وترتيب آثارها القانونية الحقة.
الهوامـــــــــش:
1) الفصل 466 من ق.ل.ع يلزم فهم الالفاظ المستعملة
حسب معناها الحقيقي ومدلولها المعتاد في مكان ابرام العقد، الا اذا ثبت انه قصد
استعمالها في معنى خاص، واذا كان للفظ معنى اصطلاحي افترض انه استعمل فيه.
2) الفصل 231 من ق.ل.ع كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية
وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام والتي يقررها القانون أو العرف
أو الانصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته.
3) المادة 1117 من ق.ل.ع الكفالة عقد بمقتضاه يلزم
شخص للدائن باداء التزام المديناذا لم يؤده هذا الاخير نفسه.
4) المادة 1131 من ق.ل.ع من أسس الكفالة أن تعقد بغير
اجر وكل شرط يقضي باعطاء الكفيل أجرا عن كفالته يقع باطلا ويترب عليه بطلان
الكفالة نفسها، ويستثنى من هذه القاعدة الكفالة التي تعقد بين التجار لاغراض
التجارة إذا سمح العرف باعطاء أجر عنها.
5) الدكتور محمد الفروجي العقود البنكية بين مدونة
التجارة والقانون البنكي مجموعة قانون التجارة والاعمال.
6) الاستاذ محمد عز الدين برادة: تقنيات البنك والقرض
والتجارة الخارجية.
7) الاساتذ عبد الصمد الزعنوني: العمل القضائي
وتطورات القطاع البنكي بالمغرب الندوة الثالثة للعمل القضائي البنكي.
8) لاحظ ان ظهير 30 يونيو 1959 بعد ان عدد خصوصيات
مؤسسة بنك المغرب كاطار مؤسساتي يكتسي صبغة العمومية متمتع بالذاتية المدنية
والاستقلال المالي،اعتبره مؤسسة تجارية مخول لها صلاحية تنظيم السوق المالي وفتح
الاعتمادات وتسيير ومباشرة المعاملات المصرفية.
9) الاستاذ عبد الصمد الزعنوني مرجع سابق.
المراجـــــــــــع:
*العقود
البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي " الدكتور محمد الفروجي"
* العمل القضائي وتطورات القطاع البنكي
بالمغرب الندوة الثالثة للعمل القضائي البنكي
ذ/ عبد الصمد الزعنوني.
· مجلة الواحة القانونية العدد 3.
· تقنيات البنك والقرض والتجارة الخارجية. ذ/ برادة
محمد عز الدين.
Les techniques de Banque de Crédit et de Commerce Extérieure
· قانون الالتزامات والعقود سلسلة المعرفة القانونية
للجميع الطبعة الاولى 2010
· مجموعة قانون الاعمال مدونة التجارة مع
الاجتهاد القضائي للاستاذ عبد الفتاح
بونوار
· الدليل العملي في المنازعات البنكية من خلال رصد لاهم مواقف
القضاء المغربي للاستاذ نبيل أبو مسلم المحامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء.