تعريف
التحكيم التجاري الدولي
للباحث الاستاذ / عبد الرحمن البنــــا
عضو اللجنة الثقافية بنادي قضاة التحكيم الدولي
أن
نظام التحكيم التجاري كنظام لحل وتسوية المنازعات التي تنشئ نتيجة عقود التجارة
الدولية ليس بنظام وليد العصر الحديث، فهو نظام قديم معروف في ظل القرون السابقة،
وانتشر في العصور الوسطي منظام بسيط ومرن ومتخصص لحل المنازعات التجارية، ثم لقي
هذا النظام رواجاً وازدهاراً لا مثيل له
في عصرنا الحاضر نظراً لازدهار التجارة الدولية بين الدول المختلفة في العالم
بأسره ، ولرغبة الممارسين للأنشطة التجارية في حل المنازعات التجارية الدولية حلاً عادلاً وفي سرية لا توفرها لهم المحاكم القضائية في
الدول المختلفة()
ومن
خلال هذا المطلب نتناول بيان تعريف التحكيم التجاري الدولي وذلك من خلال فرعين.
الفرع
الأول
المعني
اللغوي للتحكيم
التحكيم
في اللغة مصدر "حكّم" بتشديد الكاف مع الفتح، يقال (حَكَّمَهُ) فِي
مَالِهِ تَحْكِيمًا إِذَا جَعَلَ إِلَيْهِ الْحُكْمَ فِيهِ (فَاحْتَكَمَ) عَلَيْهِ
فِي ذَلِكَ()
ويقال
حَكَّمَهُ فِي الأَمْرِ تَحْكِيمًا: أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَينهم أَو أَجازَ
حُكْمَه فِيمَا بَيْنَهُم (فاحتَكَمَ) ، جَاءَ فِيهِ بالمُضارعِ على غَيْرِ بابِه،
(و) القِياسُ (تَحَكَّمَ) أَي: (جازَ فِيهِ حُكْمُهُ) ()
وجاء
في معجم اللغة العربية حكَّمَ يحكِّم، تحكيمًا، فهو محكِّم، والمفعول محكَّم
يقال
حكَّم فلانًا في الأمر فوَّض إليه الفصلَ، القضاءَ فيه، ومنها هيئة التَّحكيم/
لجنة التَّحكيم وهي هيئة أو لجنة تقوم بالحكم و القضاء وبين الأطراف المتنازعة()
وجاء
في التنزيل العزيز {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}()
فالتحكيم
في اللغة العربية يفيد فصل النزاع بين المتخاصمين من خلال شخص يرتضاه الطرفين
للفصل بينهم، وهو بذلك المعني لا يختلف كثيراً عنه معنه الاصطلاحي
"القانوني"
وكلمة
تحكيم في اللغة الفرنسية Arbitrage هي من فعل حكم Arbitrer
والتحكيم في اللغة الفرنسية يعني تسوية خلاف أو نزاع بناء على حكم تحكيمي صادر من
شخص أو أكثر الذين قرر الأطراف أن يخضعوا أو ينصاعوا أو يتقبلوه()
الفرع الثاني
المعني
الاصطلاحي للتحكيم
إذا
كانت التشريعات المختلفة لم تتعرض لوضع تعريف محدد للتحكيم ، فقد تناول فقهاء
القانون وضع العديد من التعريفات للتحكيم وذلك باختلاف النواحي التي ينظر إليها
كلاً منهما وذلك على نحو ما يأتي:
يُعرف التحكيم بأنه : تعيين الخصمين حكماً يحكم
بينهم ، أي اختيار ذوي الشأن للحكم فيما تنازعوا فيه بحكم يصدر من المحكم يفصل بين
أطراف النزاع فيما تنازعوا فيه دون أن يكون للمحكمة ولاية على الحكم()
كذلك
ركز البعض في تعريف التحكيم على اتفاق التحكيم حيث عرفه البعض بأنه : عقد يتفق
الأطراف بمقتضاه على طرح النزاع على محكم
أو أي شخص يختارونه، وذلك للفصل في النزاع دون المحكمة المختصة ، ويذكر ذلك في صلب
الاتفاق()
كما
يعرف بأنه أتفاق أطراف ذوي علاقة معينة
على أن يتم الفصل في المنازعة التي صارت بينهم، أو ربما تثور عن طريق أشخاص يتم
اختيارهم كمحكمين ()
بطلان
حكم التحكيم التجاري الدولي
كما
ركز البعض في تعريف التحكيم على عمل المحكم ، حيث عرفوا التحكيم بأنه : الحكم في
المنازعة من قبل أفراد عاديين يتخذهم الخصوم كقضاة للفصل في النزاع()
كذلك
عرف البعض التحكيم بأنه نظام قانوني يسمح بمقتضاه إخراج بعض المنازعات من ولاية
القضاء العام في حالات معينة، بحيث يتم الفصل في تلك النزاعات بواسطة أفراد عاديين
يختارهم الخصوم، ويسند لهم –المحكمين- مهمة القضاء بالنسبة لهذه المنازعات()
تعريف
الباحث للتحكيم التجاري الدولي:
من
جامع ما سبق يمكن تعريف التحكيم التجاري الدولي بأنه اتفاق طرفين دوليين على تسوية
المنازعات التي تحدث أو حدثت في أحد عقود التجارة الدولية من خلال فرد أو أكثر
يختارهم طرفي النزاع ، وذلك لإصدار حكم نهائي يفصل بين طرفي الخصومة بعيداً عن
الجهات القضائية في دولتي طرفي الخصومة"
فالتحكيم
التجاري الدولي على نحو ما ورد في تعريفنا يكون من خلال اتفاق يتم بين طرفين
دوليين –سواء كانوا أفراد أو شركات من دول مختلفة- بتسوية المنازعات المتعلقة بأحد
عقود التجارة الدولية و التي حدثت أو من المتوقع حدوثها من خلال أشخاص-المحكمين-
يتم تحديهم من خلال طرفي النزاع، ويكون الحكم الصادر من المحكمين فاصلاً في النزاع
بشكل نهائي دون تدخل من الجهات القضائية في أي من دول طرفي النزاع.
فالتحكيم
التجاري وفقا لذلك وسيلة قانونية غير قضائية يتم من خلالها تسوية المنازعات
المتعلقة بعقود التجارة الدولية من خلال أشخاص أو هيئات غير قضائية ، يتم اختيارها
مسبقاً من خلال أطراف النزاع.
وعلى
هذا فالسبب في كونه (تحكيم) لأنه يتم من خلال محكمين أو هيئات غير قضائية
يختارهم طرفي النزاع ، أما السبب في كونه تحكيم (تجاري) لأن موضوع النزاع
يكون متعلق بأحدي عقود التجارة ، أما السبب في كونه تحكيم تجاري (دولي) لأن
طرفي النزاع يكون من دول مختلفة سواء كان أشخاص طبيعية أو اعتبارية بالإضافة إلى
كون موضوع النزاع يكون متعلقاً بأحدي عقود التجارة الدولية.