ثورة شعب وملك عظيم
بقلم المستشار الدكتور / محمد الصعيدي
|
المستشار الدكتور / محمد الصعيدي |
يخلد الشعب المغربي يوم 20
غشت الجاري الذكرى ال63 لملحمة ثورة الملك والشعب التي جسدت أروع صور
التلاحم في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي الوفي بقيادة
العرش العلوي الأبي في سبيل حرية الوطن وتحقيق استقلاله ووحدته.
وقد
اندلعت هذه الملحمة المباركة يوم 20 غشت 1953 حينما امتدت أيادي المستعمر
الغاشم إلى أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور
له محمد الخامس رضوان الله عليه لنفيه وأسرته الملكية الشريفة وإبعاده عن
عرشه ووطنه متوهمة بذلك أنها ستخمد جذوة الكفاح الوطني وتفك العرى الوثيقة
والترابط المتين بين عرش أبي وشعب وفي.
وأكدت
المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مقال بالمناسبة
أن المؤامرة الاستعمارية الدنيئة كانت بداية النهاية للوجود الاستعماري
وآخر مسمار يدق في نعشه صامدا في وجه هذه المؤامرة الدنيئة مضحيا بالغالي
والنفيس في سبيل عزة وكرامة الوطن والحفاظ على سيادته ومقوماته وعودة
الشرعية والمشروعية بعودة رمز وحدة الأمة المغربية مظفرا منتصرا حاملا لواء
الحرية والاستقلال.
وهكذا
تضيف المندوبية واجه المغرب الأطماع الأجنبية وتصدى بإيمان وعزم وقوة
وإصرار لإنهاء الوجود الاستعماري على ترابه كما تدل على ذلك روائع وأمجاد
مقاومة المغاربة لقوات الاحتلال الأجنبي بكافة جهات المملكة.
ومن
ذلك معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914 ومعركة أنوال بالريف من 1921
إلى 1926 ومعركة بوغافر بورزازات ومعركة جبل بادو بالرشيدية سنة 1933
لتتواصل جذوة الكفاح الوطني بأساليب العمل السياسي التي ظهرت أولى تجلياتها
في مناهضة ما سمي بالظهير البربري سنة 1930 الذي كان من أهدافه شق الصف
الوطني والتفريق بين أبناء الشعب المغربي لزرع التمييز العنصري والنعرات
القبلية والطائفية.
وتلا ذلك
تقديم سلسلة من المطالب الإصلاحية ومنها برنامج الإصلاح الوطني وإذكاء روح
التعبئة الوطنية وإشاعة الوعي الوطني والتشبع بالقيم الوطنية والدينية ونشر
التعليم الحر الأصيل وتنوير الرأي العام الوطني وأوسع فئات الشعب المغربي
وشرائحه الاجتماعية بالحقوق المشروعة وبعدالة المطالب الوطنية.
وتوج
هذا العمل الدؤوب بتقديم الوثيقة التاريخية وثيقة المطالبة بالاستقلال في
11 يناير 1944 التي جسدت وضوح الرؤيا والأهداف وعمق وقوة إرادة التحرير
والتي تمت بتنسيق تام بين بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد
الخامس طيب الله ثراه والحركة الوطنية.
وشكلت
وثيقة المطالبة بالاستقلال منعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل
حرية المغرب واستقلاله وطموحاته المشروعة وتطلعاته لبناء مستقبل جديد
وإنجاز مشروعه المجتمعي والتحريري.
وفي
يوم 9 أبريل 1947 قام جلالة المغفور له محمد الخامس بزيارة الوحدة
التاريخية لمدينة طنجة حيث ألقى خطابه التاريخي الذي حدد فيه مهام مرحلة
النضال القادمة مؤكدا رحمه الله مطالبة المغرب باستقلاله ووحدته الوطنية.
وقد
كانت تلك الزيارة الوحدوية محطة كبرى جسدت إرادة حازمة في مطالبة المغرب
جهرا باستقلاله وتأكيده على وحدته وتشبثه بمقوماته التاريخية والحضارية
وتمسكه بانتمائه العربي والإسلامي وتجنده للدفاع عن مقدساته الدينية
وثوابته ومقوماته وهويته.
وكان
من تداعيات هذه الزيارة الملكية الميمونة احتدام الصراع بين القصر الملكي
وسلطات الإقامة العامة التي وظفت كل أساليب التضييق على رمز المقاومة
المغربية محاولة الفصل بين الملك وشعبه وطلائع الحركة الوطنية والتحريرية.
وهكذا
وأمام التحام العرش والشعب والمواقف البطولية لجلالة المغفور له محمد
الخامس طيب الله ثراه الذي ظل ثابتا في مواجهة مخططات الإقامة العامة
الفرنسية لم تجد السلطات الاستعمارية سوى الاعتداء على رمز الأمة وضامن
وحدتها ونفيه هو والعائلة الملكية في يوم 20 غشت 1953 متوهمة بأنها بذلك
ستقضي على روح الوطنية والمقاومة.
لكن
المقاومة المغربية تصاعدت وتيرتها واشتد أوارها لتبادل ملكها حبا بحب
ووفاء بوفاء مثمنة عاليا الموقف الشهم لبطل التحرير والاستقلال الذي آثر
المنفى على التنازل بأي حال من الأحوال عن عزة وسيادة الوطن.
في
حمأة هذه الظروف العصيبة اندلعت أعمال المقاومة والفداء التي وضعت كهدف
أساسي لها عودة الملك الشرعي وأسرته الكريمة من المنفى إلى أرض الوطن
وإعلان الاستقلال.
وعمت
المظاهرات والوقفات الاحتجاجية وأعمال المقاومة السرية والفدائية وتكللت
مسيرة الكفاح الوطني بانطلاق عمليات جيش التحرير بشمال البلاد في فاتح
أكتوبر من سنة 1955.
وبفعل هذه
الثورة المباركة والعارمة لم يكن من خيار للإدارة الاستعمارية سوى الرضوخ
لإرادة العرش والشعب فتحقق النصر المبين وعاد الملك المجاهد وأسرته الشريفة
في 16 نونبر 1955 من المنفى إلى أرض الوطن لتعم أفراح العودة وأجواء
الاستقلال وتبدأ معركة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي لبناء صروح
المغرب الحر المستقل وتحقيق وحدته الترابية.
وتواصلت
مسيرة التحرير واستكمال الاستقلال الوطني باسترجاع طرفاية سنة 1958 وسيدي
افني سنة 1969 لتتوج هذه الملحمة البطولية بتحرير باقي الأجزاء المغتصبة من
الصحراء المغربية بفضل التحام العرش والشعب وحنكة وحكمة مبدع المسيرة
الخضراء المظفرة جلالة المغفور له الحسن الثاني تلكم المسيرة الغراء التي
مثلت نهجا حكيما وأسلوبا فريدا في النضال السلمي لاسترجاع الحق المسلوب
وحققت المنشود منها بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية في 28 فبراير
1976 واسترجاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979.
إن
تاريخ الكفاح الوطني طافح بالمكارم والأمجاد ويحفل سجله بالدروس والعبر
المفعمة بالقيم والمثل العليا التي ستظل منقوشة في الضمائر حاضرة في
الوجدان ماثلة في الأذهان.
لذلك فانني اتقدم الي جلاله الملك المنصور بالله محمد السادس والاسرة الملكية الشريفه والشعب المغربي العظيم بخالص التهاني بتلك الذكرى المباركة
سائلا الله هز وجل ان يديم عليهم العز والنصر والتمكين وان يحفظ الله المملكة من طنجة للكويرة